وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ» وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَأُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَقْدِيمِ الْأَفْضَلِ بِالْعِلْمِ بِالْكِتَابِ، ثُمَّ بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ الْأَسْبَقُ إلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ إمَامًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْزِلُوهُ عَنْ الْإِمَامَةِ، وَلَا يُصَلُّوا خَلْفَهُ، فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ هَلْ أَمَرَهُمْ بِعَزْلِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنَّك آذَيْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ يُعْزَلُ لِأَجْلِ إسَاءَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَبُصَاقِهِ فِي الْقِبْلَةِ، فَكَيْفَ الْمُصِرُّ عَلَى أَكْلِ الْحَشِيشَةِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لِلْمُسْكِرِ مِنْهَا، كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، إذْ السُّكْرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتِحْلَالُ ذَلِكَ كُفْرٌ بِلَا نِزَاعٍ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْمُعَارِضِ بِقَوْلِهِ: «تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» فَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهُ: «لَا يَؤُمَّنَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسَوْطٍ أَوْ بِعَصًا» . وَفِي إسْنَادِ الْآخَرِ مَقَالٌ أَيْضًا.
الثَّانِي: " أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ وَلِيَ، وَإِنْ كَانَ تَوْلِيَةُ ذَلِكَ الْمَوْلَى لَا تَجُوزُ، فَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفَاسِقَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، أَوْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا: فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ.
كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا.
وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُمَا، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِ الْإِنْكَارِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقِ، الَّذِينَ يُسْكِرُونَ مِنْ الْحَشِيشَةِ؛ بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا حَرَامٌ،