للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْرَؤُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْهَرُ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْهَرُ بِهَا، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْنُتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ، وَالْقَيْءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَمَسِّ النِّسَاءِ بِشَهْوَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي صَلَاتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ. مِثْلَ مَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَصَلَّى أَبُو يُوسُفَ خَلْفَ الرَّشِيدِ وَقَدْ احْتَجَمَ، وَأَفْتَاهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ، فَصَلَّى خَلْفَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُعِدْ.

وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ، فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

تُصَلِّي خَلْفَهُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لَا أُصَلِّي خَلْفَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمَالِكٍ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لَهَا صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَعْرِفَ الْمَأْمُومُ أَنَّ إمَامَهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، فَهُنَا يُصَلِّي الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ، وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ مُتَقَدِّمٌ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: فَزَعَمَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْحَنَفِيِّ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ أَتَى بِالْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا، وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنْ يُسْتَتَابَ كَمَا يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْبِدَعِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى أَنْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِ، فَإِنَّهُ مَازَالَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْمَفْرُوضِ وَالْمَسْنُونِ، بَلْ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِهَذَا وَاجِبًا لَبَطَلَتْ صَلَوَاتُ أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِيَاطُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِيهِ نِزَاعٌ وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ خَفِيَّةٌ، وَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُتَدَيِّنُ أَنْ يَحْتَاطَ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ لَا يَجْزِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. فَإِنْ كَانَ الْجَزْمُ بِأَحَدِهِمَا وَاجِبًا فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ لَا يُمْكِنُهُمْ الْجَزْمُ بِذَلِكَ، وَهَذَا الْقَائِلُ نَفْسُهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا تَقْلِيدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَلَوْ طُولِبَ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ إمَامِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَعَجَزَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ مِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>