أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِهَا رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ: «مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ ثَانِيًا أُبْلِغْتُهُ» .
وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ، لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ثَابِتَةٌ، فَإِنَّ إبْلَاغَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كَمَا فِي السُّنَنِ: عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالُوا: كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ رَمَمْتَ، أَيْ بَلِيتَ. فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ» . وَفِي النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» . وَمَعَ هَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قَبْرِهِ، وَلَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَرَّى الدُّعَاءَ مُتَوَجِّهًا إلَى قَبْرِهِ، بَلْ نَصُّوا عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ؟ وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُدْعَى مُسْتَقْبِلَ الْقَبْرِ وَتَنَازَعُوا فِي السَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقَبْرِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَأَظُنُّهُ مَنْقُولًا عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: بَلْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، بَلْ نَصَّ أَئِمَّةُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عِنْدَهُ لِلدُّعَاءِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ يَقِفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو وَلَكِنْ يُسَلِّمُ وَيَمْضِي.
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْمَبْسُوطِ ": لَا بَأْسَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ خَرَجَ إلَى سَفَرٍ، أَنْ يَقِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوَ لَهُ، وَلِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute