وَقَالَ: «إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» .
وَقَالَ: «إنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَاَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» . وَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» . فَإِذَا كَانَ قَدْ لَعَنَ مَنْ يَتَّخِذُ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ تَحَرِّيهَا لِلدُّعَاءِ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ الدُّعَاءُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ عَقِبَ الصَّلَاةِ أَجْوَبُ، وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَكَانٌ يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَهُ.
وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِالْقَبْرِ لَا بِمُجَرَّدِ نَجَاسَتِهِ كَمَا يَظُنُّ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ، وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَأْمُرُونَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ وَتَعْفِيَةِ مَا يُفْتَتَنُ بِهِ مِنْهَا كَمَا أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِتَعْفِيَةِ قَبْرِ " دَانْيَالَ " لَمَّا ظَهَرَ بِتُسْتَرَ فَإِنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ أَبُو مُوسَى يَذْكُرُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قَبْرُ " دَانْيَالَ " وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَسْقُونَ بِهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْفِرَ بِالنَّهَارِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَبْرًا، ثُمَّ يَدْفِنَهُ بِاللَّيْلِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَيُعَفِّيَهُ لِئَلَّا يَفْتَتِنَ بِهِ النَّاسُ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ السَّلَفِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ فِي مُخْتَارِهِ، عَنْ «عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَعْرُوفِ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجِيءُ إلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَدْخُلُ فَيَدْعُو فِيهَا فَنَهَاهُ، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، فَإِنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَمَا كُنْتُمْ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute