للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَكَنَهَا الصَّالِحُونَ صَارَتْ دَارَ الصَّالِحِينَ، وَهَذَا أَصْلٌ يَجِبُ أَنْ يُعْرَفَ، فَإِنَّ الْبَلَدَ قَدْ تُحْمَدُ أَوْ تَذُمُّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحَالِ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ حَالُ أَهْلِهِ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِيهِمْ إذْ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: ١] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ إلَّا بِالتَّقْوَى، النَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» .

وَكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سُلَيْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ آخَى بَيْنَهُمَا لَمَّا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِالشَّامِ وَسَلْمَانَ بِالْعِرَاقِ نَائِبًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنْ هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ إنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الرَّجُلُ عَمَلَهُ.

فَصْلٌ:

وَقَدْ تَبَيَّنَّ الْجَوَابُ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ قَصْدَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَمَا يُقَالُ إنَّهُ قَدَمُ نَبِيٍّ، أَوْ أَثَرُ نَبِيٍّ، أَوْ قَبْرُ نَبِيٍّ، أَوْ قَبْرُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَوْ بَعْضِ الشُّيُوخِ، أَوْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَوْ الْأَبْرَاجِ، أَوْ الْغَيْرِ إنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ الْمُنْكَرَةِ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا كَانَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ يَفْعَلُونَهُ، وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الشِّرْكِ وَذَرَائِعِ الْإِفْكِ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْجَوَابِ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إذَا عَثَرَ: يَا جَاهَ مُحَمَّدٍ، يَا لَلسِّتِّ نَفِيسَةَ، أَوْ يَا سَيِّدِي الشَّيْخُ فُلَانٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ اسْتِعَانَتُهُ وَسُؤَالُهُ فَهُوَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ الْمَيِّتَ سَوَاءٌ كَانَ نَبِيًّا أَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ لَا يُدْعَى، وَلَا يُسْأَلُ، وَلَا يُسْتَغَاثُ بِهِ لَا عِنْدَ قَبْرِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>