وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهُنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ، وَمَنْ أَوْجَبَ التَّعْيِينَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ فَقَدْ أَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.
فَإِذَا قِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ وَصَامَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، أَوْ مُعَلَّقَةٍ أَجْزَأَهُ. وَأَمَّا إذَا قَصَدَ صَوْمَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَيْضًا، كَمَنْ كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّبَرُّعِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَقُّهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعْطَائِهِ ثَانِيًا، بَلْ ذَلِكَ الَّذِي وَصَلَ إلَيْك هُوَ حَقٌّ كَانَ لَك عِنْدِي، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ حَقَائِقَ الْأُمُورِ. وَالرِّوَايَةُ الَّتِي تُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ النَّاسَ فِيهِ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِي نِيَّتِهِ، عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ، كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» .
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي " الْهِلَالِ ": هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ؟ أَوْ لَا يُسَمَّى هِلَالًا حَتَّى يَسْتَهِلَّ بِهِ النَّاسُ وَيَعْلَمُوهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي النِّزَاعُ فِيمَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُطْبَقَةً بِالْغَيْمِ، أَوْ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ مُطْلَقًا. هَلْ هُوَ يَوْمُ شَكٍّ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: أَحَدُهَا:
أَنَّهُ لَيْسَ بِشَكٍّ، بَلْ الشَّكُّ إذَا أَمْكَنَتْ رُؤْيَتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ شَكٌّ لِإِمْكَانِ طُلُوعِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ حُكْمًا، فَلَا يَكُونُ يَوْمَ شَكٍّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، هَلْ يَصُومُ وَيُفْطِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute