الْمَسَاكِينِ وَجَعَلَهَا طُعْمَةً لَهُمْ يَوْمَ الْعِيدِ يَسْتَغْنُونَ بِهَا، فَإِذَا أَخَذَ الْمِسْكِينُ حَفْنَةً لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَلَمْ تَقَعْ مَوْقِعًا. وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ ابْنُ سَبِيلٍ إذَا أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ حِنْطَةٍ لَمْ يَتَبَلَّغْ بِهَا مِنْ مَقْصُودِهَا مَا يُعَدُّ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقْصُودًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا أَنْ لَوْ فُرِضَ عَدَدٌ مُضْطَرُّونَ وَإِنْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ الصَّاعُ عَاشُوا وَإِنْ خُصَّ بِهِ بَعْضُهُمْ مَاتَ الْبَاقُونَ، فَهُنَا يَنْبَغِي تَفْرِيقُهُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ، لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ هُوَ الْمَصْلَحَةَ، وَالشَّرِيعَةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَا يَرْضَاهَا الْعُقَلَاءُ، وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا.
ثُمَّ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» ، نَصٌّ فِي أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ.
وقَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ الظِّهَارِ: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصْرَفَ تِلْكَ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُخْرَجِ مِنْ الْمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ، وَالْوَاجِبُ مَا يَبْقَى وَيُسْتَنْمَى، وَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا الْإِنَاثَ دُونَ الذُّكُورِ إلَّا فِي التَّبِيعِ وَابْنِ لَبُونٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْإِنَاثِ.
وَفِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْلَ كَانَ الذَّكَرُ أَفْضَلَ مِنْ الْأُنْثَى، وَكَانَتْ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمَسَاكِينِ أَهْلِ الْحَاجَةِ، دُونَ اسْتِيعَابِ الْمَصَارِفِ الثَّمَانِيَةِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَجَبَتْ طَعَامًا لِلْأَكْلِ لَا لِلِاسْتِنْمَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْكَفَّارَاتِ.
وَإِذَا قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] نَصٌّ فِي اسْتِيعَابِ الصَّدَقَةِ، قِيلَ: هَذَا خَطَأٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّامَ فِي هَذِهِ إنَّمَا هِيَ لِتَعْرِيفِ الصَّدَقَةِ الْمَعْهُودَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا} [التوبة: ٥٨] وَهَذِهِ إذًا صَدَقَاتُ الْأَمْوَالِ دُونَ صَدَقَاتِ الْأَبْدَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute