الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ وَرَدَتْ بِذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ. مِثْلُ «قَوْلِ سَعْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ» . وَكَذَلِكَ يَنْفَعُهُ الْحَجُّ عَنْهُ، وَالْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ، وَالْعِتْقُ عَنْهُ.
وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا الصِّيَامُ عَنْهُ وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَنْهُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْهُ، فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ: أَحَدُهُمَا: يُنْتَفَعُ بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمَا. وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي:
لَا تَصِلُ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِنَفْسِ الْقِرَاءَةِ، وَالْإِهْدَاءِ، فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ إنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْأَذَانِ، وَالْإِمَامَةِ. وَالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ. فَقِيلَ: يَصِحُّ لِذَلِكَ. كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ، فَلَا يَجُوزُ إيقَاعُهَا إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا فُعِلَتْ بِعُرُوضٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَجْرٌ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، لَا مَا فُعِلَ لِأَجْلِ عُرُوضِ الدُّنْيَا.
وَقِيلَ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا لِلْفَقِيرِ، دُونَ الْغَنِيِّ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، كَمَا أَذِنَ اللَّهُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَ الْفَقْرِ وَيَسْتَغْنِي مَعَ الْغِنَى. وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ عَلَى هَذَا، فَإِذَا فَعَلَهَا الْفَقِيرُ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأُجْرَةَ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَلِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَاَللَّهُ يَأْجُرُهُ عَلَى نِيَّتِهِ، فَيَكُونُ قَدْ أَكَلَ طَيِّبًا، وَعَمِلَ صَالِحًا.
وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا لِأَجْلِ الْعُرُوضِ، فَلَا ثَوَابَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ، فَلَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ الْعَمَلِ، لَا نَفْسُ الْعَمَلِ. فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَصَلَ ذَلِكَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute