للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا قِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ. هَلْ تَكُونُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؟ أَمْ تَنْزِيهٍ؟ وَهَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي " أَمْ لَا؟ وَهَلْ صَحَّ فِي فَضْلِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ، أَمْ لَا؟

أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ قَدْ نَهَى عَنْهَا نَهْيًا عَامًّا، ثُمَّ أَذِنَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا. فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَ أُمِّي، فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُ فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» . وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالْأُخْرَى مُتَنَازَعٌ فِيهَا.

فَأَمَّا الْأُولَى: فَإِنَّ الزِّيَارَةَ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: زِيَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَزِيَارَةٍ بِدْعِيَّةٍ.

فَالزِّيَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ: السَّلَامُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ، بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَتِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» وَهَذَا الدُّعَاءُ يُرْوَى بَعْضُهُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِعِدَّةِ أَلْفَاظٍ. كَمَا رُوِيَتْ أَلْفَاظُ التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ الزِّيَارَةُ هِيَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهَا إذَا خَرَجَ لِزِيَارَةِ قُبُورِ أَهْلِ الْبَقِيعِ.

وَأَمَّا الزِّيَارَةُ الْبِدْعِيَّةُ: فَمِنْ جِنْسِ زِيَارَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلِ الْبِدَعِ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكُتُبِ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا» . قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>