الْجَوَابُ الثَّالِثُ: جَوَابُ مَنْ يَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: حَدِيثُ اللَّعْنِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَحَدِيثُ الْإِذْنِ يَرْفَعُ التَّحْرِيمَ. وَبَقِيَ أَصْلُ الْكَرَاهَةِ، يُؤَيِّدُ هَذَا «قَوْلُ أُمِّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْنَا» .
وَالزِّيَارَةُ مِنْ جِنْسِ الِاتِّبَاعِ فَيَكُونُ كِلَاهُمَا مَكْرُوهًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ.
الْجَوَابُ الرَّابِعُ: جَوَابُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ: كَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: اللَّعْنُ قَدْ جَاءَ بِلَفْظِ الزَّوَّارَاتِ، وَهُنَّ الْمُكْثِرَاتُ لِلزِّيَارَةِ، فَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ فِي الدَّهْرِ لَا تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ، وَلَا تَكُنْ الْمَرْأَةُ زَائِرَةً، وَيَقُولُونَ: عَائِشَةُ زَارَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَمْ تَكُنْ زَوَّارَةً.
وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ: فَيَقُولُونَ قَدْ جَاءَ بِلَفْظِ " الزَّوَّارَاتِ " وَلَفْظُ الزَّوَّارَاتِ قَدْ يَكُونُ لِتَعَدُّدِهِنَّ، كَمَا يُقَالُ: فُتِّحَتْ الْأَبْوَابُ، إذْ لِكُلِّ بَابٍ فَتْحٌ يَخُصُّهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: ٧٣] . وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِكُلِّ بَابٍ فَتْحًا وَاحِدًا.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا يَحْرُمُ، وَمَا لَا يَحْرُمُ، وَاللَّعْنُ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: التَّشْيِيعُ كَذَلِكَ، وَيُحْتَجُّ بِمَا رُوِيَ فِي التَّشْيِيعِ مِنْ التَّغْلِيظِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ، فَإِنَّكُنَّ تَفْتِنَّ الْحَيَّ، وَتُؤْذِينَ الْمَيِّتَ» وَقَوْلُهُ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَا إنَّكِ لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمْ الْكُدَى لَمْ تَدْخُلْ الْجَنَّةَ، حَتَّى يَكُونَ كَذَا وَكَذَا» وَهَذَانِ يُؤَيِّدُهُمَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ «نَهَى النِّسَاءَ عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» . وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ عَطِيَّةَ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْنَا. فَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهَا لَمْ يُؤَكِّدْ النَّهْيَ، وَهَذَا لَا يَنْفِي التَّحْرِيمَ، وَقَدْ تَكُونُ هِيَ ظَنَّتْ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَهْيِ تَحْرِيمٍ، وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ
لَا فِي ظَنِّ غَيْرِهِ.
الْجَوَابُ الْخَامِسُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ الْإِذْنَ لِلرِّجَالِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute