للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُزُولِ الْمَلَكِ، وَظُهُورِ الشُّعَاعِ فِي الْأَرْضِ، وَانْتِبَاهِ النَّائِمِ.

وَهَذَا جَاءَ فِي عِدَّةِ آثَارٍ، أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَكُونُ فِي أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَرْوَاحُ تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دَفْنِ الْمَيِّتِ لَا تُفَارِقُهُ، فَهَذَا يَكُونُ أَحْيَانًا، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَرْوَاحَ مُرْسَلَةٌ، تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ، وَالصَّدَقَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي وُصُولِ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ، كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، كَمَا يَصِلُ إلَيْهِ أَيْضًا الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَالدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ.

وَتَنَازَعُوا فِي وُصُولِ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ: كَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْجَمِيعَ يَصِلُ إلَيْهِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَثَبَتَ أَيْضًا: «أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةً مَاتَتْ أُمُّهَا، وَعَلَيْهَا صَوْمٌ، أَنْ تَصُومَ عَنْ أُمِّهَا» . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «لَوْ أَنَّ أَبَاك أَسْلَمَ فَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ، أَوْ صُمْتَ، أَوْ أَعْتَقْتَ عَنْهُ، نَفَعَهُ ذَلِكَ» وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَيُقَالُ لَهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ: أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لَهُ، وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ وَهَذَا مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَالْعِتْقِ، وَهُوَ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ. وَمَا كَانَ مِنْ جَوَابِهِمْ فِي مَوَارِدِ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ جَوَابُ الْبَاقِينَ فِي مَوَاقِعِ النِّزَاعِ. وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ.

لَكِنَّ الْجَوَابَ الْمُحَقَّقَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِسَعْيِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] فَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا سَعْيَهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَ ذَلِكَ. وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مَالَ نَفْسِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>