جملًا فإنه يرجع لكلها حيث صلح له، لأنه الظاهر عند الإطلاق إلَّا لدليل يُعَيِّن ما يرجع إليه الاستثناء من المتعاطفات، فإن وُجِد دليل يُعين الرجوع إلى بعضها اتُّبع.
مثاله في المفردات قولك:"تصدَّق على المساكين وأبناء السبيل وبني تميم إلَّا الفاسق منهم" فإنه يخرج فاسق الكل، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يجلسَنَّ أحدُكم على تَكْرِمة أخيه ولا يؤمُّه في بيته إلَّا بإذنه"(١) فإنه راجع لهما.
ومثاله في الجُمَل قولك:"عبيدي أحرار ونسائي طوالق إلَّا المسلم منهم" فإنه يخرج مسلم الكل، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}[الفرقان/ ٦٨ - ٦٩] الآية، فإنه راجع إلى الكل.
وخالف أبو حنيفةَ الجمهورَ قائلًا: إن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط، ولأجل ذلك لم يقبل شهادةَ القاذف ولو تابَ وأصلحَ لأن قوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} يرجع عنده لخصوص جملة {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} أي فقد زال فسقهم بالتوبة، ولا يَقْبل رجوع الاستثثاء إلى قوله:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} أي: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}[النور/ ٤ - ٥] فاقبلوا شهادتهم، بل يقول: لا تقبلوها لهم مطلقًا، والاستثناء لم يرجع إليها لاختصاصه بالأخيرة.
(١) أخرجه مسلم رقم (٦٧٣) من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي اللَّه عنه- ضمن حديث، ولفظه: "ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه".