للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولم يخالف أبو حنيفة قاعدَتَه هذه في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ} فإنه موافق للجماعة في رجوعه لجميع الجمل قبله، ووجه عدم مخالفته فيه لأصله: أنه عنده راجع إلى الأخيرة فقط وهي قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨)} إلَّا أن الإشارة في قوله: {ذَلِكَ} راجعة إلى جميع الجمل المتقدمة، وبرجوعه لها صار الاستثناء راجعًا للكل فظهر أن أبا حنيفة لم يخالف فيها أصلَه.

قال مُقيِّده عفا اللَّه عنه: هذه القاعدة التي ذكرها المؤلف وذكرناها عن الجمهور، منهم المالكية والشافعية والحنابلة، مِن رجوع الاستثناء لجميع المتعاطفات قبله تقتضي صحة احتجاج داود الظاهريِّ على إباحة جمع الأختين في الوطء بملك اليمين؛ لأنه يقول: إن قوله: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} راجع أيضًا لقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء/ ٢٣] أي: إلَّا ما ملكت أيمانكم من الأخوات فلا يحرم فيه الجمع.

والجواب عن هذا: أن التحقيق في هذه المسألة هو ما حقَّقه بعضُ المتأخرين كابن الحاجب (١) من المالكية، والغزالي (٢) من الشافعية والآمدي (٣) من الحنابلة (٤) = مِن أَنَّ حُكم الاستثناء بعد الجمل المتعاطفات


(١) انظر "المختصر - مع شرحه": (٢/ ٢٨١) للأصفهاني.
(٢) انظر "المستصفى": (٢/ ١٧٧).
(٣) انظر "الإحكام في أصول الأحكام": (٢/ ٥٠٦).
(٤) كان حنبليًّا في أول أمره، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، انظر: "البداية والنهاية": (١٧/ ٢١٤)، و"طبقات الشافعية الكبرى": (٨/ ٣٠٦ - ٣٠٧).