للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء]. واسْتِصحابُ العدم هذا هو الإباحة العقلية المتقدمة، ولا يُحتج به إلَّا "بعد قُصارى البحث" -أي غايته- عن دليلٍ فلم يوجد. والمراد بالبحث: استفراغ الجهد في طلب الدليل ولم يوجد، فلو وُجد دليل لوجب العمل به. فصوم جمادى مثلًا ساقط لأن الأصل براءة الذمة منه. ومفهوم قوله: "رجحنَّ" أن فيه من يقول بخلاف ذلك، والمخالفون منهم من يقول: الأصلُ في الأشياء التي لم يَرِد عليها دليلٌ المنع، واستدلوا بأمرين:

أحدهما: أن اللَّه قال: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة/ ٤]، وقال: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة/ ١]. وقوله: {أُحِلَّ} و {أُحِلَّتْ} يُفهم منه أن المنع هو الأصل والإحلال مُخرَّج عنه.

والأمر الثاني: أن كل الأشياء ملك للَّه تعالى ولا يجوز التصرف بملك الغير بغير إذنه، ومنهم من يقول: إن الأصل الإباحة لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة/ ٢٩]. وعليه فالإباحة المفهومة من الآية شرعية فليست استصحابًا ولا إباحة عقلية.

وقوله: "وهذا البحث" إلخ يعني أن البحث عن الدليل قبل الاستناد إلى الاستصحاب واجب اتفاقًا. وقوله: "لم يُلْفَ" معناه لم يوجد.

٨٢٧ - وإن يعارض غالبًا ذا الأصلُ ... ففي المقدَّم تنافى النقلُ

يعني أن محل استصحاب العدم الأصليّ ما لم يعارض الغالبُ ذلك الأصل الذي هو العدم، فإن عارضه فقيل: يُقَدَّم الغالب، وقيل: يقدم الأصل، وهذا الخلاف هو مراده بقوله: "ففي المقدم تنافى النقل".