الثالث: معرفة المتأخر من النصين مع عدم إمكان الجمع، فالمتأخر إن لم يمكن الجمع ناسخ، وهو مراده بقوله:"كذاكَ يُعرفُ. . " البيت.
وقوله:"كقول راوٍ سابقٌ" يعني أن معرفة المتأخر الناسخ للسابق تُعرف بأدلة منها قول الراوي: هذا سابق وهذا متأخر. ومنها أن يقول: هذا مدني وهذا مكّي، للعلم بأن المدني متأخر عن المكِّي. وأصح التعريفات للمدني والمكي: أن المدني ما نزل بعد الهجرة ولو نزل في مكة أو عرفات، والمكي ما نزل قبل الهجرة. والصحيحُ فيما نزل في سَفَر الهجرة بين مكة والمدينة كآية:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}[القصص/ ٨٥] التي نزلت بالجُحْفة من طريق الهجرة أنه مدني، والأمران المذكوران هما مراد المؤلف بقوله:"وقول راو سابق" البيت.
وقوله:"وقولِه الناسخُ" يعني أن من الأدلة المثبتة للنسخ قول الراوي: هذا النص هو الناسخ -بالتعريف- لا إن قال: هذا ناسخٌ -بالتنكير- فلا يثبت به النسخ عند جمهور الشافعية والمالكية خلافًا للحنابلة. ووجه الفرق عند القائل به: أن قوله: هذا هو الناسخ -بالتعريف- يدل على أن النسخ ثابت عند غيره وهو إنما عَيَّن الناسخ، وتعيينُ الناسخ دليل على معرفة خاصة، بخلافِ ما لو قال: هذا ناسخ، فلا يدل على ثبوت النسخ عند غيره (١)، وقد يظهر له ذلك باجتهاد منه لا يتابعه عليه غيره.