وإيضاحه: أن العلة تعرف كون الحكم منوطًا بها حتى إذا وُجدت في محل آخر ثبت الحكم فيه أيضًا، والنص يعرّف الحكم دون نظرَ إلى ذلك فلَيْسا معرّفين لشيء واحد من جهة واحدة، وقال بعضهم: معناه أنه إذا لوحظ النصّ عُرف الحكم، ثم إذا لوحظت العلة حصل التفات جديد للحكم، ومعرفة كون محله أصلًا يقاس عليه، فمجموع ذلك مستفاد من العلة وهو مرادهم بأنها تفيد حكم الأصل بقيد كون محله أصلًا يقاس عليه.
٦٦٢ - ووَصْفها بالبعثِ ما استُبينا ... منه سوى بعثِ المُكَلَّفينا
يعني أن وصف الأصوليين للعلة بالبعث أي تسميتهم لها باعثًا لم يظهر منه إلا أن معنى ذلك البعث أنها مشتملة على حِكمة تبعث المكلف على الامتثال، ولم يَسْتجيزوا أن يقال: إنها باعثة للشارع على تشريع الحكم؛ لأن أفعاله تعالى لا تُعَلَّل بالأغراض، وقائل هذا القول يرى أن كون أفعاله معللة يتضمن نقصًا؛ لأن الغرض كأنه تكميل لصاحب الغرض. والذي يظهر -واللَّه تعالى أعلم- أن أفعال اللَّه وتشريعه لم يخلُ شيءٌ منها عن حكمة بالغة لكن الحِكَم المشتملة عليها عللُ الشرع مصالُحها كلها راجعة إلى الخلق، واللَّه تعالى غنيٌّ بذاته الغنى المطلق عن كل شيء محتاج إليه كل شيء (١).