للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قلت: والظاهر عندي أن التعبديات -أيضًا- لا تخلو من حِكَم تحصل بالامتثال زائدة على ما ذكر من تحصيل الثواب ودرء مفسدة العقاب، ومما يدلُّ على ذلك أن أشد التعبديات توغُّلا في التعبد الصلاة، وقد نصَّ تعالى على أن لها حكَمًا غير الثواب عليها في الآخرة كقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت/ ٤٥]، وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة/ ٤٥].

وقول المؤلف: "وربما يعوزنا" إلخ، يعني أن كون العلة لا تخلو عن حكمة في الجملة لا يلزم منه اطلاعنا على كل حكمة، لكنَّ عدم اطلاعنا لا يلزم منه منع التعليل بتلك العلة التي لم تظهر حكمتها، كتعليل المالكية منع ربا الفضل بالاقتيات والادِّخار، وتعليل الشافعية له بالطَّعم، والحنفية والحنابلة بالكيل، فكل هذه العلل لم نعرف حِكْمَتها، وعدم معرفة حكمتها ليس مانعًا من التعليل بها، وهو مراده بقوله: "لكنه ليس به امتناع"، ومعنى قول: "يُعْوِزُنا اطلاع" أي لم نطلع عليها، من عازه الأمر إذا لم يقدر على تحصيله.

٦٧١ - وفي ثبوت الحكمِ عند الانتفا ... للظنِّ والنفي خِلافٌ عُرِفًا

يعني أنهم اختلفوا إذا قُطِع بانتفاء الحكمة في صورة هل يثبت الحكم فيها مع تخلف الحكمة إناطةً للحكم بمظنة الحكمة أو لا يثبت الحكم؟ إذ لا عبرة بالمظنة مع تحقق انتفاء الحكمة، والفروعُ المبنية على هذه القاعدة يرجّح فيها ثبوت الحِكَم نظرًا للمظنة، كقَصْر المسافر الذي لم تصبه مشقة، وكاسْتِبراء [الصغيرة] التي لا يحمل مثلها عادة؛ لأن