للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٩١٠ - ذاتيةً قَدِّمْ وذاتَ تعديَه ... وما احتياطا عُلِمَتْ مقتضيَه

ذكر في هذا البيت ثلاثة مرجِّحات من مرجحات القياس:

الأول: كون العلة ذاتية، فالقياس الذي علته ذاتية مقدم على الذي علته حكمية، والذاتية هي ما كانت صفة للمحل، أي وصفًا قائمًا بالذات كالطَّعم والإسكار، والحكمية هي الوصف الذي ثبت تعلُّقه بالمحل شرعًا، كالحِل والحُرمة والنجاسة ونحو ذلك، وهذا مراده بقوله: "ذاتية قدِّم".

الثاني: التعدية، أي تعدية العلة من الأصل إلى الفرع، فالمتعدية مقدَّمة على القاصرة على مذهب الجمهور، ورجح الإسفراييني القاصرة محتجًّا بأن الخطأ فيها أقل، وسوَّى بينهما الباقلاني (١). ومثال تعارضهما: تعليل المالكي تحريم الخمر بالشدة المطربة، مع تعليل الحنفي له بكونه خمرًا، مع أن الخمر عندهم هو المعصور من خصوص العنب، فالشدَّة المطربة تتعدى إلى غير المتخذ من العنب بخلاف الخمر عندهم (٢).

الثالث: الاحتياط، فتُقَدَّم العلة التي تقتضي الاحتياط على التي لم تقتضه، لأن الأحوط أرجح من غيره، كتعليل الشافعي نقض الوضوء بمطلق مسِّ النساء، فإنه أحوط من تعليل المالكية والحنابلة له بقصد الشهوة أو وجودها من المرأة. وكتعليل الشافعية تحريم الربا في البر بالطَّعم فإنه أحوط لتحريم الحفنة فيه دون التعليل بالكيل.

قلت: مَثَلوا له بهذين المثالين، ويظهر لي أنهما راجعان لترجيح


(١) انظر "المستصفى": (٢/ ٤٠٤)، و"البحر المحيط": (٦/ ١٨٢).
(٢) انظر "نشر البنود": (٢/ ٣٠٥).