في حَرْث القوم وهما مجتهدان قطعًا، إذ لو كان هناك وحي لما اختلفا، وقد صرَّح تعالى بأن سليمان أصاب الصواب بقوله:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}[الأنبياء/ ٧٩] فعلم أن داود اجتهد فيها ولم يُصِب بدليل قوله: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}[الأنبياء/ ٧٨]، ومع هذا قال تعالى:{وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء/ ٧٩]. وقوله:"وسيلة" بالنصب مفعول ثان لـ "جُعِل" مقدَّم عليه ومفعوله الأول ضمير المذهب، وهو نائب الفاعل المستتر.
يعني أن الذين لا يجيزون تقليد المفضول مع وجود الفاضل قالوا: يجب على العامِّيّ البحث عن إمامٍ أي مجتهدٍ منتَخَب -بفتح الخاء- أي راجح في العلم والدين، وعليه فيجب على العامي أو غيره من المقلدين تقديم أروع العالِمَيْن وأعلم الوَرِعَيْن، والأصح تقديم الأعلم على الأورع كما تقدم، وأهل هذا القول منهم: الإمام أحمد، وابن القصَّار من المالكية، والغزالي، وابن سُريج من الشافعية.
فإن قيل: من أين للعامي أن يميز الفاضل من المفضول؟
فالجواب: أنه يميزه بسؤال الناس وبقرائن الأحوال، كرجوع العلماء إلى قوله دون غيره، وكثرة المستفتين له دون غيره.
ووجه منع تقليد المفضول مع وجود الفاضل: أن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالأدلة في حق المجتهد؛ فكما يجب على المجتهد الأخذ بالأرجح من الأدلة = فكذلك يجب على المقلد تقليد الأرجح من العلماء.