فيرجَّح عمومُ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} من خمسة أوجه:
الأول: أنه في محل تحريم النساء وتحليلهن، وآية:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في معرض مدح المتقين، فذكر من صفاتهم حِفْظ الفرج فاستطرد أنه لا يلزم عن الزوجة والسُّرِّية، وأَخْذ الأحكامِ من مظانّها أولى من أخذها لا من مظانها.
الثاني: أن عمومَ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أجمعَ العلماءُ على تخصيصه، للإجماع على أن عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يخصِّصه عمومُ {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وعموم: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء/ ٢٢] الآية، فالأخت من الرضاع وموطوءة الأب لا تحلّان بملك اليمين إجماعًا بخلاف عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} فلم يدخله التخصيص، والعامُّ الباقي على عمومه مقدَّم على العام المخصوص كما يأتي للمؤلف أيضًا، ولم يخالف في ذلك إلَّا السبكي وصفي الدين الهندي (١).
الثالث: أن عموم: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وارد في معرض مدح المتقين، والعامُّ الواردُ في معرض مدح أو ذم قيل بعدم اعتبار عمومه كما تقدم في قوله:"وما أتى للمدح أو للذم" إلخ، وعموم:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} لم يَرِد في معرض ذم ولا مدح، وما لم يقترن بمانع الاعتبار مقدَّم على ما قال بعدمِ اعتبارِه بعضُ العلماء كما هو ظاهر.
الرابع: أن الأصل في الفروج التحريم ما لم يدل دليل سالم من
(١) انظر "الجمع": (٢/ ٣٦٧)، و"نهاية الوصول في دراية الأصول": (٨/ ٣٧٠٤ و ٣٧١٤) للهندي.