وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] فَخَاطَبَ الرِّجَالَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى، كَمَا خَاطَبَهُمْ بِتَزْوِيجِ الرَّقِيقِ.
وَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: ٢٢١] وَقَوْلُهُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: ٢٢١] . وَهَذَا الْفَرْقُ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ.
" وَأَيْضًا " فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الصَّدَاقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يُوجِبْ الْإِشْهَادَ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الْإِشْهَادِ: فَقَدْ أَسْقَطَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَأَوْجَبَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ.
وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فِي تَحْرِيمِهِمْ " نِكَاحَ الشِّغَارِ " وَأَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْمَهْرِ، فَحَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ: فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ، وَهُوَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَصْرَحُهُمَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَاخْتِيَارُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ.
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ رُجْحَانَ أَقْوَالِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ - كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ - عَلَى مَا خَالَفَهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي قِيلَتْ بِرَأْيٍ يُخَالِفُ النُّصُوصَ؛ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ قَالُوا بِرَأْيٍ يُخَالِفُ النُّصُوصَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِمْ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ فَعَلُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَاجْتَهَدُوا، وَاَللَّهُ يُثِيبُهُمْ، وَهُمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ يُثِيبُهُمْ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ: فَآجَرَهُمْ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ أَفْضَلَ مِمَّنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ. وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ أَجْرَانِ، وَأُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: ٧٨] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] .
وَمَنْ تَدَبَّرَ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَدَهَا مُفَسِّرَةً لِأَمْرِ النِّكَاحِ، لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يَشْتَرِطُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ كَمَا اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ: أَلَّا يَكُونَ إلَّا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَاشْتَرَطَ هَؤُلَاءِ وَطَائِفَةٌ: أَلَّا يَكُونَ إلَّا بِحَضْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute