". أَمَّا مَنْ يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِصَدَاقٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْ وَفَائِهِ: فَهَذَا مَكْرُوهٌ. كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِي ذِمَّتِهِ صَدَاقًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَهُ: فَهَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
٥٣٠ - ١٣٢ - سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ، فَشُرِطَ عَلَيْهِ عِنْدَ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُلُهَا مِنْ مَنْزِلِهَا، وَكَانَتْ لَهَا ابْنَةٌ، فَشُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمِّهَا وَعِنْدَهُ مَا تَزَالُ. فَدَخَلَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ؟ وَإِذَا أَخْلَفَ هَذَا الشَّرْطَ، فَهَلْ لِلزَّوْجَةِ الْفَسْخُ أَمْ لَا؟ .
أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. نَعَمْ تَصِحُّ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ: كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي هَذَا الْوَقْتِ صَدَاقَاتُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ الْقَدِيمَةِ لَمَّا كَانُوا عَلَى مَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ فِيهَا هَذِهِ الشُّرُوطُ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ: إذَا شُرِطَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ تَسَرَّى أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ أَيْضًا، وَمَلَكَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَمَلَكَتْ الْفُرْقَةَ بِهِ.
وَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَحْوُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ، لِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ "، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُسْتَحَلُّ بِهِ الْفُرُوجُ مِنْ الشُّرُوطِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، إذْ لَيْسَ هُنَاكَ شَرْطٌ يُوفَى بِهِ بِالْإِجْمَاعِ غَيْرُ الصَّدَاقِ وَالْكَلَامِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هِيَ هَذِهِ الشُّرُوطُ.
وَأَمَّا شَرْطُ مَقَامِ وَلَدِهَا عِنْدَهَا وَنَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، فَهَذَا مِثْلُ الزِّيَادَةِ فِي الصَّدَاقِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute