وَثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَثَبَتَ أَيْضًا بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَإِنْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ فِي الصِّحَّةِ لَمْ يُقْبَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَيُقْبَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَخُصَّ الْوَارِثَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ» .
وَأَمَّا التَّدَاوِي: بِأَكْلِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَلَا يَجُوزُ، وَأَمَّا التَّدَاوِي بِالتَّلَطُّخِ بِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ مُبَاشَرَةِ النَّجَاسَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ، كَمَا يَجُوزُ اسْتِنْجَاءُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِيَدِهِ. وَمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ جَازَ التَّدَاوِي بِهِ، كَمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِلُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَطَاعِمِ الْخَبِيثَةِ، فَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشُرْبِ الْخَمْرِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِشُحُومِ الْمَيْتَةِ فِي طَلْيِ السُّفُنِ، وَدَهْنِ الْجُلُودِ، وَالِاسْتِصْبَاحِ بِهِ، وَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ ثَمَنِهِ، وَلِهَذَا رَخَّصَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِطَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْيَابِسَاتِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تُنَجِّسُهَا.
وَأَمَّا الْيَتِيمَةُ: الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ قَبْلُ، وَوَلِيَ تَزْوِيجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالسُّلْطَانِ الَّذِي هُوَ حَاكِمٌ وَنُوَّابُ الْحَاكِمِ فِي الْعُقُودِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ النِّكَاحُ بِلَا إذْنِهَا، وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، فَهَذِهِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ يَجُوزُ نِكَاحُهَا فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ زَوَّجَهَا حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ، فَهَلْ يَكُونُ تَزْوِيجُهُ حُكْمًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ، أَوْ يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ مِنْ غَيْرِهِ يُصَحِّحُ ذَلِكَ، عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ، لَكِنَّ الْحَاكِمَ الْمُزَوِّجَ هُنَا شَافِعِيٌّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَلَّدَ قَوْلَ مَنْ يُصَحِّحُ هَذَا النِّكَاحَ وَرَاعَى سَائِرَ شُرُوطِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ لَهُ ذَلِكَ جَازَ - وَإِنْ كَانَ أَقْدَمَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute