للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ زَوْجِهَا.

" وَالنَّصَارَى " يُحَرِّمُونَ النِّكَاحَ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَمَنْ أَبَاحُوا لَهُ النِّكَاحَ لَمْ يُبِيحُوا لَهُ الطَّلَاقَ. " وَالْيَهُودُ " يُبِيحُونَ الطَّلَاقَ؛ لَكِنْ إذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِغَيْرِ زَوْجِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ. وَالنَّصَارَى لَا طَلَاقَ عِنْدَهُمْ. وَالْيَهُودُ لَا مُرَاجَعَةَ بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ عِنْدَهُمْ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمُؤْمِنِينَ هَذَا وَهَذَا.

وَلَوْ أُبِيحَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عَدَدٍ - كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ - لَكَانَ النَّاسُ يُطَلِّقُونَ دَائِمًا: إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ يَزْجُرُهُمْ عَنْ الطَّلَاقِ؛ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَالْفَسَادِ مَا أَوْجَبَ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فَسَادُ الطَّلَاقِ لِمُجَرَّدِ حَقِّ الْمَرْأَةِ فَقَطْ: كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ حَتَّى يُبَاحَ دَائِمًا بِسُؤَالِهَا؛ بَلْ نَفْسُ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ: إمَّا نَهْيُ تَحْرِيمٍ، أَوْ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، وَمَا كَانَ مُبَاحًا لِلْحَاجَةِ قُدِّرَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.

وَالثَّلَاثُ هِيَ مِقْدَارُ مَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» وَكَمَا قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تَحُدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَكَمَا رُخِّصَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ.

وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ إلَّا مِنْ الْقَصْدِ؛ وَلَا يَرَى وُقُوعَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ؛ كَمَا لَا يَكْفُرُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُكْرَهًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُسْتَهْزِئًا بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ كَفَرَ؛ كَذَلِكَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا وَقَعَ بِهِ.

وَلَوْ حَلَفَ بِالْكُفْرِ فَقَالَ: إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>