للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ أَوْ فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ. لَمْ يَكْفُرْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا حُكْمًا مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَلِفُ بِهِ بُغْضًا لَهُ وَنُفُورًا عَنْهُ؛ لَا إرَادَةً لَهُ؛ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُمُونِي أَلْفًا كَفَرْتُ فَإِنَّ هَذَا يَكْفُرُ. وَهَكَذَا يَقُولُ مَنْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَتَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ لَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ، وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَقْصُودِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ.

وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ افْتَدَتْ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ كَافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَكْرُوهِ فِي الْأَصْلِ، وَلِهَذَا يُبَاحُ فِي الْحَيْضِ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ.

وَأَمَّا إذَا عَدَلَ هُوَ عَنْ الْخُلْعِ وَطَلَّقَهَا إحْدَى الثَّلَاثِ بِعِوَضٍ فَالتَّفْرِيطُ مِنْهُ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَغَيْرِهِ؛ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا. وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ جَعَلُوهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَسْخًا. كَالْإِقَالَةِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا هُوَ مَعَ الْمَرْأَةِ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ افْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ كَمَا يُفْدَى الْأَسِيرُ فَقَدْ يَفْتَدِي الْأَسِيرُ بِمَالٍ مِنْهُ وَمَالٍ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بِمَالٍ يَبْذُلُهُ هُوَ وَمَا يَبْذُلُهُ الْأَجْنَبِيُّ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ يَصِحُّ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَعَ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ هَذَا جَمِيعَهُ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ وَالْإِزَالَةِ.

وَإِذْ كَانَ الْخُلْعُ رَفْعًا لِلنِّكَاحِ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ مِنْ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. وَتَشْبِيهُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَزُولُ إلَّا بِرِضَى الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ لَا يَسْتَقِلُّ أَحَدُهُمَا بِإِزَالَتِهِ؛ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ إلَيْهَا إزَالَتُهُ؛ بَلْ الزَّوْجُ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ؛ لَكِنْ افْتِدَاؤُهَا نَفْسَهَا مِنْهُ كَافْتِدَاءِ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا. وَمَسَائِلُ الطَّلَاقِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالنِّزَاعِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا إذَا وَقَعَ بِهِ الثَّلَاثُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَلَا يُبَاحُ إلَّا بِنِكَاحِ ثَانٍ، وَبِوَطْئِهِ لَهَا عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَأْمُورَ بِهِ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالْعَقْدِ وَبِالْوَطْءِ، بِخِلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُنْهَى فِيهِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ؛ وَلِهَذَا كَانَ النِّكَاحُ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالْوَطْءِ مِنْ الْعَقْدِ " وَالنِّكَاحُ الْمُحَرَّمُ " يَحْرُمُ فِيهِ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>