للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ إبْلِيسَ يَنْصِبُ عَرْشَهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ: فَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، فَيَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: مَا زِلْت بِهِ حَتَّى فَعَلَ كَذَا؛ حَتَّى يَأْتِيَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولَ: مَا زِلْت بِهِ حَتَّى فَرَّقْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ فَيُدْنِيَهُ مِنْهُ؛ وَيَقُولُ: أَنْتَ، أَنْتَ، وَيَلْتَزِمُهُ» . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي ذَمِّ السِّحْرِ: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: ١٠٢] .

وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ وَالْمُنْتَزِعَاتِ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ» . وَفِي السُّنَنِ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» . وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَإِذَا كَانَ إنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، فَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ، فَمَا زَادَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْحَظْرِ.

الْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ الَّذِي يُسَمَّى " طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " إذَا أَوْقَعَهُ الْإِنْسَانُ هَلْ يَقَعُ، أَمْ لَا؟ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ بِوُقُوعِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَقَعُ. مِثْلُ طَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَخِلَاسٍ، وَعُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَأَهْلِ الظَّاهِرِ: كَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ.

وَيُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: دَاوُد وَأَصْحَابُهُ؛ لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَحْرِيمِ الثَّلَاثِ. وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ مَجْمُوعُ الثَّلَاثِ إذَا أَوْقَعَهَا جَمِيعًا؛ بَلْ يَقَعُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ؛ وَلَمْ يُعْرَفْ قَوْلُهُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ؛ وَلَكِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ جَمِيعًا قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ.

وَمِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا، لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ لَا يُعْرَفُ لِقَائِلِهِ سَلَفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ؛ لَكِنْ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>