للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا. قَالَ: فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ: كَيْفَ طَلَّقْتهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا قَالَ: فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَأَرْجِعْهَا إنْ شِئْت. قَالَ: فَرَاجَعَهَا» ؛ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ.

قُلْت: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُد؛ وَدَاوُد مِنْ شُيُوخِ مَالِكٍ وَرِجَالِ الْبُخَارِيِّ؛ وَابْنِ إِسْحَاقَ إذَا قَالَ: حَدَّثَنِي. فَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ؛ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد هَذَا الطَّرِيقَ الْجَيِّدَ؛ فَلِذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً بَائِنًا أَصَحُّ؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ؛ بَلْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَجَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى تِلْكَ؛ وَهُوَ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ رُكَانَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ وَنَافِعِ بْنِ عُجَيْنٍ: «أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَإنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْلَفَهُ، فَقَالَ: مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟» فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَجَاهِيلُ لَا تُعْرَفُ أَحْوَالُهُمْ، وَلَيْسُوا فُقَهَاءَ، وَقَدْ ضَعَّفَ حَدِيثَهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ رُكَانَةَ فِي أَلْبَتَّةَ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ رُكَانَةَ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ يَرْوِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا "، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ " ثَلَاثًا " أَلْبَتَّةَ.

فَقَدْ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ عَلَى بُطْلَانِ حَدِيثِ أَلْبَتَّةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَبَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ إسْنَادٌ ثَابِتٌ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ.

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>