للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجِنْسُهُ مَشْرُوعٌ: كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ؛ فَهُوَ يَحِلُّ تَارَةً، وَيَحْرُمُ تَارَةً فَيَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، كَمَا يَنْقَسِمُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ.

وَالنَّهْيُ فِي هَذَا الْجِنْسِ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ بِالظِّهَارِ فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ: كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مُحَرَّمٍ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الظِّهَارِ؛ كَلَفْظِ الْحَرَامِ. وَهَذَا قِيَاسُ أَصْلِ الْأَئِمَّةِ: مَالِكٍ؛ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.

وَلَكِنْ الَّذِي خَالَفُوا قِيَاسَ أُصُولِهِمْ فِي الطَّلَاقِ خَالَفُوهُ لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ الْآثَارِ.

فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَدَّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالُوا: هُمْ أَعْلَمُ بِقِصَّتِهِ، فَاتَّبَعُوهُ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ نَازَعَهُمْ يَقُولُ: مَا زَالَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَرْوُونَ أَحَادِيثَ وَلَا تَأْخُذُ الْعُلَمَاءُ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْهَا؛ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَوَوْهُ؛ لَا بِمَا رَأَوْهُ وَفَهِمُوهُ. وَقَدْ تَرَكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ: «فَاقْدُرُوا لَهُ» ، وَتَرَكَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا تَفْسِيرَهُ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ» مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.

وَتَرَكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَفْسِيرَهُ لِقَوْلِهِ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] . وَقَوْلُهُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا. وَكَذَلِكَ إذَا خَالَفَ الرَّاوِي مَا رَوَاهُ، كَمَا تَرَكَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا؛ مَعَ أَنَّهُ رَوَى «حَدِيثَ بَرِيرَةَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ خَيَّرَهَا بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ وَعَتَقَتْ» ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَوَوْهُ، لَا مَا رَأَوْهُ وَفَهِمُوهُ.

وَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا بِالثَّلَاثِ الْمَجْمُوعَةِ قَالُوا: لَا يُلْزِمُونَ بِذَلِكَ إلَّا وَذَلِكَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ؛ وَاعْتَقَدَ طَائِفَةٌ لُزُومَ هَذَا الطَّلَاقِ وَإِنَّ ذَلِكَ إجْمَاعٌ؛ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْلَمُوا خِلَافًا ثَابِتًا؛ لَا سِيَّمَا وَصَارَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا عَنْ الشِّيعَةِ الَّذِينَ لَمْ يَنْفَرِدُوا عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِحَقٍّ.

قَالَ الْمُسْتَدِلُّونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>