وَافَقَهُ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ حَرَّمُوا الْمَنْكُوحَةَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى النَّاكِحِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالْحُكْمَانِ لَهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ السَّلَفِ أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا بِلَا عِوَضٍ إذَا رَأَيَا الزَّوْجَ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجَةِ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِلْزَامُ عُمَرَ بِالثَّلَاثِ لَمَّا أَكْثَرُوا مِنْهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عُقُوبَةً تُسْتَعْمَلُ وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ شَرْعًا لَازِمًا؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ لَمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يُوقِعُونَهُ إلَّا قَلِيلًا: وَهَكَذَا كَمَا اخْتَلَفَ كَلَامُ النَّاسِ فِي نَهْيِهِ عَنْ الْمُتْعَةِ: هَلْ كَانَ نَهْيَ اخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ الْحَجِّ بِسَفْرَةٍ وَالْعُمْرَةِ بِسُفْرَةٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّمَتُّعِ؟ أَوْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنْ الْفَسْخِ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِالصَّحَابَةِ؟ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالصَّحَابَةُ قَدْ نَازَعُوهُ فِي ذَلِكَ، وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَغَيْرِهِمْ: فِي الْمُتْعَةِ فِي الْإِلْزَامِ بِالثَّلَاثِ. وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، كَمَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ. وَكَانَ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَرَيَانِ أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَتَيَمَّمُ، وَخَالَفَهُمَا عَمَّارٌ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ؛ لَمَّا كَانَ مَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا كَثِيرٌ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَا أَخَذَ النَّاسُ بِهِ.
وَاَلَّذِينَ لَا يَرَوْنَ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ لَازِمًا يَقُولُونَ: هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ: كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ: أَنَّ إيقَاعَاتِ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لَا تَقَعُ لَازِمَةً: كَالْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ، وَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ، وَالْكِتَابَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلِهَذَا أَبْطَلُوا نِكَاحَ الشِّغَارِ، وَنِكَاحَ الْمُحَلِّلِ، وَأَبْطَلَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ الْبَيْعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ النِّدَاءِ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ الظِّهَارِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَفْسَهُ مُحَرَّمٌ؛ كَمَا يَحْرُمُ الْقَذْفُ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ،
وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِهَا مُحَرَّمَةٌ: فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى صَحِيحٍ وَغَيْرِ صَحِيحٍ؛ بَلْ صَاحِبُهَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِكُلِّ حَالٍ، فَعُوقِبَ الْمُظَاهِرُ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مَا قَصَدَهُ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُوجِبُ لَفْظِهِ؛ فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ؛ وَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ. أَمَّا الطَّلَاقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute