للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُشْرَعُ؟ أَمْ لَا؟ فَقَدْ يَرَى الْإِمَامُ أَنْ يُعَاقِبَ بِنَوْعٍ لَا يَرَى الْعُقُوبَةَ بِهِ غَيْرُهُ، كَتَحْرِيقِ عَلِيٍّ الزَّنَادِقَةَ بِالنَّارِ؛ وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ اسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعُقُوبَةَ؛ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ إلَّا طَلَاقًا سُنِّيًّا؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ. فَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ إلْزَامُهُ بِالثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً؛ بَلْ يَلْزَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ عَظِيمَةٌ؛ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ مُجَلَّدَيْنِ؛ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهَا هَهُنَا تَنْبِيهًا لَطِيفًا.

وَاَلَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ: كَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ. وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهِمْ فَرَأَوْهُ لَازِمًا، وَتَارَةً غَيْرَ لَازِمٍ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِكَوْنِ لُزُومِ الثَّلَاثِ شَرْعًا لَازِمًا، كَسَائِرِ الشَّرَائِعِ: فَهَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لِهَذَا الْمُوقِعِ أَنْ يَلْتَزِمَ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَيُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ؛ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَائِضًا، إذَا كَانَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ وَتَابَ مِنْ الْبِدْعَةِ

فَصْلٌ

وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ فَمَنْشَأُ النِّزَاعِ فِي وُقُوعِهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، حَتَّى تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ» . فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: «فَلْيُرَاجِعْهَا» أَنَّهَا رَجْعَةُ الْمُطَلَّقَةِ. وَبَنَوْا عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْحَيْضِ يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ.

وَهَلْ هُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ؟ أَوْ أَمْرُ إيجَابٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالِاسْتِحْبَابُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَالْوُجُوبُ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَهَلْ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَلِي حَيْضَةَ الطَّلَاقِ؟ أَوْ لَا يُطَلِّقُهَا إلَّا فِي طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَوَجْهَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الثَّانِي؟ جُمْهُورُهُمْ لَا يُوجِبُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهُ، وَهُوَ وَجْهٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>