للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ؛ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ يُوقِعُ الطَّلَاقَ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الدَّلِيلِ.

وَتَنَازَعُوا فِي عِلَّةِ مَنْعِ طَلَاقِ الْحَائِضِ، هَلْ هُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ، كَمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ؟ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَ الزُّهْدِ فِي وَطْئِهَا، فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي حَالِ رَغْبَةٍ فِي الْوَطْءِ؛ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَمْنُوعًا لَا يُبَاحُ إلَّا لِحَاجَةٍ، كَمَا يَقُولُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ؟ أَوْ هُوَ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: قَوْلُهُ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بَلْ لَمَّا طَلَّقَهَا طَلَاقًا مُحَرَّمًا حَصَلَ مِنْهُ إعْرَاضٌ عَنْهَا وَمُجَانَبَةٌ لَهَا؛ لِظَنِّهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لِمَنْ بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ: هَذَا هُوَ الرِّبَا، فَرَدَّهُ» .

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَرَدَّ أَرْبَعَةً لِلرِّقِّ» . وَفِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ» . فَهَذَا رَدٌّ لَهَا. «وَأَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الَّذِي بَاعَهُ دُونَ أَخِيهِ» . «وَأَمَرَ بَشِيرًا أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الَّذِي وَهَبَهُ لِابْنِهِ» . وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ.

وَلَفْظُ " الْمُرَاجَعَةِ " تَدُلُّ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: ٢٣٠] . وَقَدْ يَكُونُ بِرُجُوعِ بَدَنِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ هُنَاكَ طَلَاقٌ، كَمَا إذَا أَخْرَجَ الزَّوْجَةَ أَوْ الْأَمَةَ مِنْ دَارِهِ فَقِيلَ لَهُ: رَاجِعْهَا، فَأَرْجَعَهَا كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ. وَفِي كِتَابِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى: وَأَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ.

وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الْمُرَاجَعَةِ " يَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ. وَالرَّجْعَةُ مِنْ الطَّلَاقِ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ بِمُجَرَّدِ كَلَامِهِ، فَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَفْظُ الْمُرَاجَعَةِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ بَدَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>