فَهَذَانِ نَبِيَّانِ كَرِيمَانِ حَكَمَا فِي قِصَّةٍ فَخَصَّ اللَّهُ أَحَدَهُمَا بِالْفَهْمِ؛ وَلَمْ يَعِبْ الْآخَرَ؛ بَلْ أَثْنَى عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ.
وَهَكَذَا حُكْمُ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَخُلَفَاءِ الرُّسُلِ الْعَامِلِينَ بِالْكِتَابِ.
وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ الَّتِي قَضَى فِيهَا دَاوُد وَسُلَيْمَانُ لِعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَمَا يُشْبِهُهَا أَيْضًا قَوْلَانِ. مِنْهُمْ مَنْ يَقْضِي بِقَضَاءِ دَاوُد. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْضِي بِقَضَاءِ سُلَيْمَانَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَقُولُ بِهِ؛ بَلْ قَدْ لَا يَعْرِفُهُ. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْجَوَابِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَأَمَّا إذَا " حَلَفَ بِالْحَرَامِ " فَقَالَ: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْتُ كَذَا، أَوْ مَا يَحِلُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَحْرُمُ عَلَيَّ إنْ فَعَلْتُ كَذَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَهُ زَوْجَةٌ. فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ لَكِنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا طَلَاقٌ، وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَهُ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَقَصَدَ بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ الظِّهَارَ طَلَاقًا، وَالْإِيلَاءَ طَلَاقًا. فَرَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَجَعَلَ فِي الظِّهَارِ الْكَفَّارَةَ الْكُبْرَى، وَجَعَلَ الْإِيلَاءَ يَمِينًا يَتَرَبَّصُ فِيهَا الرَّجُلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. فَإِمَّا أَنْ يَمْسِكَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: إنَّهُ إذَا كَانَ مُزَوَّجًا فَحَرَّمَ امْرَأَتَهُ أَوْ حَرَّمَ الْحَلَالَ مُطْلَقًا كَانَ مُظَاهِرًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ.
وَإِذَا حَلَفَ بِالظِّهَارِ، أَوْ الْحَرَامِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، وَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ: أَجْزَأَتْهُ الْكَفَّارَةُ فِي مَذْهَبِهِ، لَكِنْ قِيلَ: إنَّ الْوَاجِبَ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ، سَوَاءٌ حَلَفَ أَوْ أَوْقَعَ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: بَلْ إنْ حَلَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ أَوْقَعَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ. وَهَذَا أَقْوَى وَأَقْيَسُ عَلَى أَصْلِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. فَالْحَالِفُ بِالْحَرَامِ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كَمَا تُجْزِئُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute