وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ» ، وَقَوْلُهُ: " هَذَا لَا يَصْلُحُ ". وَفِي كَلَامِهِ: " إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ كَذَا " وَفِي كَلَامِهِ: الْوَعْدُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَلَمْ نَسْتَفِدْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ بَيَّنَ ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ قَطْعًا.
وَأَيْضًا فَالشَّارِعُ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ، أَوْ الرَّاجِحَةِ. وَمَقْصُودُهُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ، وَجَعَلَهُ مَعْدُومًا. فَلَوْ كَانَ مَعَ التَّحْرِيمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ فَيَجْعَلُهُ لَازِمًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ لَكَانَ ذَلِكَ إلْزَامًا مِنْهُ بِالْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ عَدَمَهُ. فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسَادُ قَدْ أَرَادَ عَدَمَهُ مَعَ أَنَّهُ أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: إنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ لِئَلَّا يَنْدَمَ الْمُطَلِّقُ؛ دَلَّ عَلَى لُزُومِ النَّدَمِ لَهُ إذَا فَعَلَهُ. وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ.
فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا يَتَضَمَّنُ أَنْ كُلَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ صَحِيحًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ. فَيُقَالُ: إنْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا صَحِيحًا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ إذْ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَحْصُلْ الْقَطِيعَةُ، وَهَذَا جَهْلٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ حِكْمَتَهُ فِي مَنْعِهِ مِمَّا نَهَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَبَاحَهُ لَلَزِمَ الْفَسَادُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] .
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا؛ فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: يُبَيِّنُ أَنَّ الْفِعْلَ لَوْ أُبِيحَ لَحَصَلَ بِهِ الْفَسَادُ، فَحَرُمَ مَنْعًا مِنْ هَذَا الْفَسَادِ. ثُمَّ الْفَسَادُ يَنْشَأُ مِنْ إبَاحَتِهِ وَمِنْ فِعْلِهِ. وَإِذَا اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ أَنَّهُ مُبَاحٌ، أَوْ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَإِمَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ وَالْتِزَامُ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْمَفَاسِدُ فِيهَا فِتْنَةٌ وَعَذَابٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] .
وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ لَازِمٍ لَمْ يَحْصُلْ الْفَسَادُ. فَيُقَالُ: هَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute