عَلَيْهَا؛ لِئَلَّا يُزَيِّنَ الشَّيْطَانُ كِتْمَانَ اللُّقَطَةِ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا بَلْ خَلَّى سَبِيلَهَا فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لِلنَّاسِ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ؛ بَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ زَوْجَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي النَّاسُ أَطَلَّقَهَا أَمْ لَمْ يُطَلِّقْهَا.
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ وَاِتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ بِإِعْلَانِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالسِّفَاحِ مَكْتُومًا؛ لَكِنْ؛ هَلْ الْوَاجِبُ مُجَرَّدُ الْإِشْهَادِ؟ أَوْ مُجَرَّدُ الْإِعْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ؟ أَوْ يَكْفِي أَيُّهُمَا كَانَ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: ٣] .
وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ. وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى مُرَادَةٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ الْعَامِّ، فَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَيَفْعَلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ، أَوْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ: فَهَذَا إذَا عَرَفَ التَّحْرِيمَ وَتَابَ صَارَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فَاسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا. وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ يُفْتِيهِ بِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ: فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً بِقَدْرِ ظُلْمِهِ، كَمُعَاقَبَةِ أَهْلِ السَّبْتِ بِمَنْعِ الْحِيتَانِ أَنْ تَأْتِيَهُمْ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَعُوقِبَ بِالضِّيقِ. وَإِنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَعَرَّفَهُ الْحَقَّ، وَأَلْهَمَهُ التَّوْبَةَ، وَتَابَ: " فَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ "، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ، فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ.
فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتٍ: كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يَقُولُ لَهُ: لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا. وَكَانَ تَارَةً يُوَافِقُ عُمَرَ فِي الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ لِلْمُكْثِرِينَ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ؛ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute