للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ كَانَ تَارَةً لَا يَلْزَمُ إلَّا وَاحِدَةً. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَغْضَبُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ؛ وَإِلَّا فَوَاَللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلِّ مَا تُحْدِثُونَ.

وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلَا أَبِي بَكْرٍ؛ وَلَا عُمَرَ؛ وَلَا عُثْمَانَ؛ وَلَا عَلِيٍّ " نِكَاحُ تَحْلِيلٍ " ظَاهِرٌ تَعْرِفُهُ الشُّهُودُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ. وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ أَعَادُوا الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُطَلِّقُونَ فِي الْغَالِبِ طَلَاقَ السُّنَّةِ.

وَلَمْ يَكُونُوا يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ فِي الْحَلِفِ؛ وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْهُمْ الْكَلَامُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ؛ لَا فِي الْحَلِفِ بِهِ.

وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِهِ، كَمَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ حَاجَةً فَقَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي. أَوْ قَضَى دَيْنِي، أَوْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ؛ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. أَوْ أَصُومَ شَهْرًا؛ أَوْ أُعْتِقَ رَقَبَةً؛ فَهَذَا تَعْلِيقُ نَذْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَإِذَا عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَقَالَ: إنْ سَافَرْت مَعَكُمْ إنْ زَوَّجْتِ فُلَانًا. أَنْ أَضْرِبَ فُلَانًا. إنْ لَمْ أُسَافِرْ مِنْ عِنْدِكُمْ؛ فَعَلَيَّ الْحَجُّ. أَوْ: فَمَالٍ صَدَقَةٌ. أَوْ: فَعَلَيَّ عِتْقٌ. فَهَذَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ؛ لَيْسَ بِنَاذِرٍ. فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا الْتَزَمَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى الصَّحَابَةُ فِيمَنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ. أَنَّهُ يَمِينٌ يُجْزِيهِ فِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ فِي هَذَا كُلِّهِ لَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ تَحْلِيفَ النَّاسِ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ - وَهُوَ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ؛ وَالْعَتَاقِ؛ وَالتَّحْلِيفُ بِاسْمِ اللَّهِ؛ وَصَدَقَةِ الْمَالِ. وَقِيلَ: كَانَ فِيهَا التَّحْلِيفُ بِالْحَجِّ - تَكَلَّمَ حِينَئِذٍ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ، وَتَكَلَّمُوا فِي بَعْضِهَا عَلَى ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا حَنِثَ بِهَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلَى هَذَا جِنْسُ أَيْمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ؛ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هِيَ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي سَائِرِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ. وَاتَّبَعَ هَؤُلَاءِ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ تُرَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>