الْمُوَفَّرُ " فَقَدْ قَالَ: أَجْرُهُمْ مُوَفَّرًا. يُقَالُ: الْمُوَفَّرُ. لِلزَّائِدِ؛ وَيُقَالُ: لَمْ يُكْلَمْ. أَيْ يُجْرَحْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " كِتَابِ الزُّهْدِ «عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى: وَمَا ذَاكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيَّ وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي سَالِمًا مُوَفَّرًا؛ لَمْ تَكَلُّمُهُ الدُّنْيَا وَلَمْ تَكَلُّمُهُ نُطْعَةُ الْهَوَى» . وَكَانَ هَذَا تَغْيِيرَ الصِّفَةِ، وَذَاكَ نُقْصَانَ الْقَدْرِ.
وَذَكَرَ " أَبُو الْفَرَجِ " هَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْوَالِدَاتِ؟ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْمُطَلَّقَاتِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْخُصُوصُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ، وَمُقَاتِلٍ، فِي آخَرِينَ. وَالْعُمُومُ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي آخَرِينَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَلِهَذَا نَقُولُ: لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا لِرَضَاعِ وَلَدِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مَعَ الزَّوْجِ، أَوْ مُطَلَّقَةً.
قُلْت: الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ لِلْمُرْضِعَاتِ رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ؛ لَا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ: تُؤَجِّرُ نَفْسَهَا بِأُجْرَةٍ غَيْرِ النَّفَقَةِ.
وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ بَلْ إذَا كَانَتْ الْآيَةُ عَامَّةً دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا تُرْضِعُ وَلَدَهَا مَعَ إنْفَاقِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَتَدْخُلُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ أُمِّهِ. وَكَذَلِكَ فِي حَالِ الرَّضَاعِ فَإِنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ هِيَ نَفَقَةُ الْمُرْتَضِعِ. وَعَلَى هَذَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ فَاَلَّذِينَ خَصُّوهُ بِالْمُطَلَّقَاتِ أَوْجَبُوا نَفَقَةً جَدِيدَةً بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، كَمَا ذَكَرَ فِي " سُورَةِ الطَّلَاقِ " وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْمُطَلَّقَةِ.
وقَوْله تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَبْدَأَ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ وَالْكَمَالُ إلَى نَظِيرِ ذَلِكَ. فَإِذَا كَانَ مِنْ عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ كَانَ الْكَمَالُ فِي عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ؛ فَإِنَّ الْحَوْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٦] وَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، أَوَّلُهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ وَآخِرُهَا إذَا مَضَتْ عَشْرٌ بَعْدَ نَظِيرِهِ؛ فَإِذَا كَانَ فِي مُنْتَصَفِ الْمُحَرَّمِ فَآخِرُهَا خَامِسَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ، وَكَذَلِكَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فِي الْبُيُوعِ وَسَائِرِ مَا يُؤَجَّلُ بِالشَّرْعِ وَبِالشَّرْطِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute