مَسْأَلَةٌ:
فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٣٣] إلَى قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: ٢٣٣] . مَعَ قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] إلَى قَوْلِهِ: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: ٧] .
فِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ مِنْ الْأَحْكَامِ بَعْضُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا مُتَنَازَعٌ فِيهِ. وَإِذَا تَدَبَّرْت كِتَابَ اللَّهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَفْصِلُ النِّزَاعَ بَيْنَ مَنْ يُحْسِنُ الرَّدَّ إلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ إلَى ذَلِكَ؛ فَهُوَ إمَّا لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ، فَيُعْذَرُ. أَوْ لِتَفْرِيطِهِ فَيُلَامُ.
وقَوْله تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا تَمَامُ الرَّضَاعَةِ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غِذَاءٌ مِنْ الْأَغْذِيَةِ. وَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ مَنْ يَقُولُ: الرَّضَاعُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ. وَقَوْلُهُ: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ " الْحَوْلَيْنِ " يَقَعُ عَلَى حَوْلٍ وَبَعْضِ آخَرَ. وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِهِمْ، يُقَالُ: لِفُلَانٍ عِشْرُونَ عَامًا إذَا أَكْمَلَ ذَلِكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُمَا: لَمَّا جَازَ أَنْ يَقُولَ: " حَوْلَيْنِ " وَيُرِيدُ أَقَلَّ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: ٢٠٣] . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فِي يَوْمٍ وَبَعْضِ آخَرَ؛ وَتَقُولُ: لَمْ أَرَ فُلَانًا يَوْمَيْنِ. وَإِنَّمَا تُرِيدُ يَوْمًا وَبَعْضَ آخَرَ. قَالَ: {كَامِلَيْنِ} لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهُمَا.
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] ، فَإِنَّ لَفْظَ " الْعَشَرَةِ " يَقَعُ عَلَى تِسْعَةٍ وَبَعْضِ الْعَاشِرِ. فَيُقَالُ: أَقَمْت عَشَرَةَ أَيَّامٍ. وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهَا. فَقَوْلُهُ هُنَاكَ {كَامِلَةٌ} بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هُنَا {كَامِلَيْنِ} .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ: قَالَ «الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مَوْفُورًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ» . فَالْكَامِلُ الَّذِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ إذْ الْكَمَالُ ضِدُّ النُّقْصَانِ.
وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute