للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يَصِحُّ إيمَانُهُ وَلَا فَرْضُهُ وَلَا نَفْلُهُ، وَمَنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ جُنَّ وَأَسْلَمَ بَعْدَ جُنُونِهِ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ، لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا، وَمَنْ كَانَ قَدْ آمَنَ ثُمَّ كَفَرَ وَجُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ، وَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ أُثِيبَ عَلَى إيمَانِهِ الَّذِي كَانَ فِي حَالِ عَقْلِهِ، وَمَنْ وُلِدَ مَجْنُونًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ جُنُونُهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ. وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الطِّفْلِ إذَا كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الَّذِي وُلِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ ظَاهِرًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَهْلِ الدَّارِ، كَمَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ لِلْأَطْفَالِ لَا لِأَجْلِ إيمَانٍ قَامَ بِهِ فَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَجَانِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ، وَهَذَا الْإِسْلَامُ لَا يُوجِبُ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يَصِيرَ بِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] .

فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ إذَا كَانُوا سُكَارَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يَقُولُونَ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ قَبْلَ أَنْ تَحْرُمَ بِالْآيَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ، فَخَلَطَ فَغَلِطَ فِي الْقِرَاءَة فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَإِذَا كَانَ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الصَّلَاةَ مَعَ السُّكْرِ وَالشُّرْبِ الَّذِي لَمْ يَحْرُمْ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يَقُولُونَ، عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدٌ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ. فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ قَدْ زَالَ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ زَالَ، فَكَيْفَ بِالْمَجْنُونِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ الضَّحَّاكِ: لَا تَقْرَبُوهَا وَأَنْتُمْ سُكَارَى مِنْ النَّوْمِ، وَهَذَا إذَا قِيلَ إنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ، أَوْ شُمُولِ مَعْنَى اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ أَنَّ سَبَبَ الْآيَةِ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>