ادَّعَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِزِيَادَةٍ: فَإِمَّا أَنْ تُحَلِّفَهَا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، وَإِمَّا تَمْتَنِعَ عَنْ الْيَمِينِ فَيَقْضِيَ بِرَدِّ الْيَمِينِ أَوْ النُّكُولِ.
فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَبْغِي بِأَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ، وَلَا تُجِيبَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتُقَاتِلُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ تَطْلُبُ قِتَالَ الْأُخْرَى وَإِتْلَافَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَفِّهَا إلَّا بِالْقَتْلِ قُوتِلَتْ حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ؛ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تُلْزَمَ بِالْعَدْلِ بِدُونِ الْقِتَالِ مِثْلُ أَنْ يُعَاقِبَ بَعْضَهُمْ، أَوْ يَحْبِسَ؛ أَوْ يَقْتُلَ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ مِنْهُمْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: عَمِلَ ذَلِكَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِتَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا طَلَبَ الثَّأْرِ. فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ الْمُؤْمِنِ مَظْلِمَةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ؛ بَلْ لَمْ يَذْكُرْ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ فِي الْقُرْآنِ إلَّا نَدَبَ فِيهَا إلَى الْعَفْوِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] وَقَالَ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: ٤٥] فَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُنَا كَحُكْمِهِمْ مِمَّا لَمْ يُنْسَخْ مِنْ الشَّرَائِعِ: فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّسْوِيَةُ فِي الدِّمَاءِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ
: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» . فَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَئِيسًا مُطَاعًا مِنْ قَبِيلَةٍ شَرِيفَةٍ وَالْمَقْتُولُ سُوقِيًّا طَارِفًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ كَبِيرًا وَهَذَا صَغِيرًا، أَوْ هَذَا غَنِيًّا وَهَذَا فَقِيرًا وَهَذَا عَرَبِيًّا وَهَذَا عَجَمِيًّا، أَوْ هَذَا هَاشِمِيًّا وَهَذَا قُرَشِيًّا.
وَهَذَا رَدٌّ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قُتِلَ كَبِيرٌ مِنْ الْقَبِيلَةِ قَتَلُوا بِهِ عَدَدًا مِنْ الْقَبِيلَةِ الْأُخْرَى غَيْرِ قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ، وَإِذَا قُتِلَ ضَعِيفٌ مِنْ قَبِيلَةٍ لَمْ يَقْتُلُوا قَاتِلَهُ إذَا كَانَ رَئِيسًا مُطْلَقًا فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute