الْهَذَيَانَاتِ؛ وَإِلَّا فَقَدْ قُتِلَ أَنْبِيَاءٌ كَثِيرُونَ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ وَأَصْحَابِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّالِحِينَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ، قُتِلُوا بِسُيُوفِ الْفُجَّارِ وَالْكُفَّارِ وَالظَّلَمَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَكْتُبْ دَمُ أَحَدِهِمْ اسْمَ اللَّهِ. وَالدَّمُ أَيْضًا نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى. فَهَلْ الْحَلَّاجُ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَدَمُهُ أَطْهَرُ مِنْ دِمَائِهِمْ؟ ،، وَقَدْ جَزِعَ وَقْتَ الْقَتْلِ؛ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَالسُّنَّةَ فَلَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ. وَلَوْ عَاشَ اُفْتُتِنَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْجُهَّالِ، لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبُ خُزَعْبَلَاتِ بُهْتَانِيَّةٍ، وَأَحْوَالٍ شَيْطَانِيَّةٍ.
وَلِهَذَا إنَّمَا يُعَظِّمُهُ مَنْ يُعَظِّمُ الْأَحْوَالَ الشَّيْطَانِيَّةَ، وَالنَّفْسَانِيَّةَ، والبهتانية. وَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْعَالِمُونَ بِحَالِ الْحَلَّاجِ فَلَيْسَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ يُعَظِّمُهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْقُشَيْرِيُّ فِي مَشَايِخِ رِسَالَتِهِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ مِنْ كَلَامِهِ كَلِمَاتٍ اسْتَحْسَنَهَا. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو يَعْقُوبَ النَّهْرَجُورِيُّ قَدْ زَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ، فَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَى زَنْدَقَتِهِ نَزَعَهَا مِنْهُ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَيَقُولُ: كُنْت مَعَهُ فَسَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: أَقْدِرُ أَنْ أُصَنِّفَ مِثْلَ هَذَا الْقُرْآنِ. أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ. كَانَ يُظْهِرُ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ مَا يَسْتَجْلِبُهُمْ بِهِ إلَى تَعْظِيمِهِ؛ فَيُظْهِرُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ سُنِّيٌّ، وَعِنْدَ أَهْلِ الشِّيعَةِ أَنَّهُ شِيعِيٌّ، وَيَلْبَسُ لِبَاسَ الزُّهَّادِ تَارَةً، وَلِبَاسَ الْأَجْنَادِ تَارَةً.
وَكَانَ مِنْ مَخَارِيقِهِ أَنَّهُ بَعَثَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ إلَى مَكَان فِي الْبَرِّيَّةِ يُخَبِّئُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ وَالْحَلْوَى، ثُمَّ يَجِيءُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: مَا تَشْتَهُونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ فَيَشْتَهِي أَحَدُهُمْ فَاكِهَةً، أَوْ حَلَاوَةً، فَيَقُولُ: اُمْكُثُوا؛ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيَأْتِي بِمَا خَبَّأَ أَوْ بِبَعْضِهِ، فَيَظُنُّ الْحَاضِرُونَ أَنَّ هَذِهِ كَرَامَةٌ لَهُ،، وَكَانَ صَاحِبُ سِيمَا وَشَيَاطِينَ تَخْدُمُهُ أَحْيَانَا، كَانُوا مَعَهُ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، فَطَلَبُوا مِنْهُ حَلَاوَةً، فَذَهَبَ إلَى مَكَان قَرِيبٍ مِنْهُمْ وَجَاءَ بِصَحْنِ حَلْوَى، فَكَشَفُوا الْأَمْرَ فَوَجَدُوا ذَلِكَ قَدْ سُرِقَ مِنْ دُكَّانِ حَلَاوِيٍّ بِالْيَمَنِ، حَمَلَهُ شَيْطَانٌ مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ.
وَمِثْلُ هَذَا يَحْصُلُ كَثِيرًا لِغَيْرِ الْحَلَّاجِ مِمَّنْ لَهُ حَالٌ شَيْطَانِيٌّ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِ زَمَانِنَا: مِثْلُ شَخْصٍ هُوَ الْآنَ بِدِمَشْقَ كَانَ الشَّيْطَانُ يَحْمِلُهُ مِنْ جَبَلِ الصَّالِحِيَّةِ إلَى قَرْيَةٍ حَوْلَ دِمَشْقَ، فَيَجِيءُ مِنْ الْهَوَى إلَى طَاعَةِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute