للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دَوْلَةَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ دَوْلَتِهِمْ، وَأَعْظَمُ عِلْمًا وَإِيمَانًا مِنْ دَوْلَتِهِمْ، وَأَقَلُّ بِدَعًا وَفُجُورًا مِنْ بِدْعَتِهِمْ، وَأَنَّ خَلِيفَةَ الدَّوْلَتَيْنِ أَطْوَعُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ خُلَفَاءِ دَوْلَتِهِمْ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي خُلَفَاءِ الدَّوْلَتَيْنِ مَنْ يُجَوِّزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، فَكَيْفَ يَدَّعِي الْعِصْمَةَ مَنْ ظَهَرَتْ عَنْهُ الْفَوَاحِشُ وَالْمُنْكَرَاتُ، وَالظُّلْمُ وَالْبَغْيُ، وَالْعُدْوَانُ وَالْعَدَاوَةُ لِأَهْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مِنْ الْأُمَّةِ، وَالِاطْمِئْنَانُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ؟ ، فَهُمْ مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ. وَمِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ. وَمَا يَدَّعِي الْعِصْمَةَ فِي النِّفَاقِ وَالْفُسُوقِ إلَّا جَاهِلٌ مَبْسُوطُ الْجَهْلِ، أَوْ زِنْدِيقٌ يَقُولُ بِلَا عِلْمٍ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، أَوْ بِصِحَّةِ النَّسَبِ فَقَدْ شَهِدَ لَهُمْ بِمَا لَا يَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَقَالَ عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ: {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١] وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يَعْلَمُ صِحَّةَ نَسَبِهِمْ وَلَا ثُبُوتَ إيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ؛ فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَزْعُمُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَالْتِزَامَ شَرَائِعِهِ؛ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ؛ أَنْ قَدْ عُرِفَ فِي الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٨] .

وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] . وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤] وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ، وَأَئِمَّتُهَا وَجَمَاهِيرُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا مُنَافِقِينَ زَنَادِقَةً، يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ. فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ صَارَ فِي إيمَانِهِمْ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، فَالشَّاهِدُ لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>