للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ غَيْرُهُمْ طَوَائِفُ، وَكَانَ فِي بَعْضِهِمْ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْعِلْمِ مَا فِيهِ؛ فَلَمْ يَقْدَحْ النَّاسُ فِي نَسَبِ أَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ، كَمَا قَدَحُوا فِي نَسَبِ هَؤُلَاءِ وَلَا نَسَبُوهُمْ إلَى الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ كَمَا نَسَبُوا هَؤُلَاءِ. وَقَدْ قَامَ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ طَوَائِفُ؛ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ، وَوَلَدِ الْحُسَيْنِ، كَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَأَخِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَأَمْثَالِهِمَا. وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ لَا مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَلَا مِنْ غَيْرِ أَعْدَائِهِمْ لَا فِي نَسَبِهِمْ وَلَا فِي إسْلَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ الدَّاعِي الْقَائِمُ بِطَبَرِسْتَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَلَوِيِّينَ، وَكَذَلِكَ بَنُو حَمُّودٍ الَّذِينَ تَغَلَّبُوا بِالْأَنْدَلُسِ مُدَّةً وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَقْدَحْ أَحَدٌ فِي نَسَبِهِمْ، وَلَا فِي إسْلَامِهِمْ.

وَقَدْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الطَّالِبِينَ مَنْ عَلَى الْخِلَافَةِ، لَا سِيَّمَا فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَحَبَسَ طَائِفَةٌ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَقْدَحْ أَعْدَاؤُهُمْ فِي نَسَبِهِمْ، وَلَا دِينِهِمْ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْسَابَ الْمَشْهُورَةَ أَمْرُهَا ظَاهِرٌ مُتَدَارَكٌ مِثْلُ الشَّمْسِ لَا يَقْدِرُ الْعَدُوُّ أَنْ يُطْفِئَهُ

؛ وَكَذَلِكَ إسْلَامُ الرَّجُلِ وَصِحَّةُ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ وَالرَّسُولِ أَمْرٌ لَا يَخْفَى، وَصَاحِبُ النَّسَبِ وَالدِّينِ لَوْ أَرَادَ عَدُوُّهُ أَنْ يُبْطِلَ نَسَبَهُ وَدِينَهُ وَلَهُ هَذِهِ الشُّهْرَةُ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّفِقَ عَلَى ذَلِكَ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ.

وَهَؤُلَاءِ " بَنُو عُبَيْدٍ الْقَدَّاحِ " مَا زَالَتْ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ الْمَأْمُونُونَ عِلْمًا وَدِينًا يَقْدَحُونَ فِي نَسَبِهِمْ وَدِينِهِمْ؛ لَا يَذُمُّونَهُمْ بِالرَّفْضِ وَالتَّشَيُّعِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ فِي هَذَا شُرَكَاءَ كَثِيرِينَ؛ بَلْ يَجْعَلُونَهُمْ " مِنْ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ " الَّذِينَ مِنْهُمْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالنُّصَيْرِيَّةِ، وَمِنْ جِنْسِهِمْ الخرمية المحمرة وَأَمْثَالُهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ؛ وَلَا رَيْبَ أَنَّ اتِّبَاعَ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ؛ وَقَدْ وَصَفَ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةَ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهُ وَوَضَعُوهُ؛ وَذَكَرُوا مَا بَنَوْا عَلَيْهِ مَذَاهِبَهُمْ؛ وَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بَعْضَ قَوْلِ الْمَجُوسِ وَبَعْضَ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ؛ فَوَضَعُوا لَهُمْ " السَّابِقَ " " وَالتَّالِيَ " " وَالْأَسَاسَ " " وَالْحُجَجَ " " وَالدَّعَاوَى " وَأَمْثَالَ ذَلِكَ مِنْ الْمَرَاتِبِ. وَتَرْتِيبُ الدَّعْوَةِ سَبْعُ دَرَجَاتٍ؛ آخِرُهَا " الْبَلَاغُ الْأَكْبَرُ؛ وَالنَّامُوسُ الْأَعْظَمُ " مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ تَفْصِيلِ ذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ شَهِدَ لَهُمْ بِصِحَّةِ نَسَبٍ أَوْ إيمَانٍ فَأَقَلُّ مَا فِي شَهَادَتِهِ أَنَّهُ شَاهِدٌ بِلَا عِلْمٍ، قَافٍ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ؛ وَذَلِكَ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ؛ بَلْ مَا ظَهَرَ عَنْهُمْ مِنْ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ.

وَمُعَادَاةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ: دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ نَسَبِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>