للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانُوا بِمَسَاكِنِ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، ذَهَبُوا بِهَا إلَى قُبُورِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا بِمِصْرَ ذَهَبُوا بِهَا إلَى قُبُورِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَوْ لِهَؤُلَاءِ الْعُبَيْدِيِّينَ الَّذِينَ قَدْ يَتَسَمَّوْنَ بِالْأَشْرَافِ، وَلَيْسُوا مِنْ الْأَشْرَافِ، وَلَا يَذْهَبُونَ بِالْخَيْلِ إلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ وَلَا إلَى قُبُورِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا أَمْرٌ مُجَرَّدٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْجُنْدِ وَعُلَمَائِهِمْ.

وَقَدْ ذُكِرَ سَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ الْكُفَّارَ يُعَاقَبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ الْبَهَائِمُ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ بِذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ: «أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلَتِهِ، فَمَرَّ بِقُبُورٍ فَحَادَتْ بِهِ كَادَتْ تُلْقِيهِ، فَقَالَ: هَذِهِ أَصْوَاتُ يَهُودٍ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا، فَإِنَّ الْبَهَائِمَ إذَا سَمِعَتْ ذَلِكَ الصَّوْتَ الْمُنْكَرَ أَوْجَبَ لَهَا مِنْ الْحَرَارَةِ مَا يُذْهِبُ الْمَغَلَ» ، وَكَانَ الْجُهَّالُ يَظُنُّونَ أَنَّ تَمْشِيَةَ الْخَيْلِ عِنْدَ قُبُورِ هَؤُلَاءِ لِدِينِهِمْ وَفَضْلِهِمْ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ يُمَشُّونَهَا عِنْدَ قُبُورِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ دُونَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُمْ لَا يُمَشُّونَهَا عِنْدَ قَبْرِ مَنْ يُعْرَفُ بِالدِّينِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهَا؛ إنَّمَا يُمَشُّونَهَا عِنْدَ قُبُورِ الْفُجَّارِ وَالْكُفَّارِ: تَبَيَّنَ بِذَلِكَ مَا كَانَ مُشْتَبِهًا.

وَمَنْ عَلِمَ حَوَادِثَ الْإِسْلَامِ، وَمَا جَرَى فِيهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ: عَلِمَ أَنَّ عَدَاوَةَ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَدِينَ لِلْإِسْلَامِ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ أَعْظَمُ مِنْ عَدَاوَةِ التَّتَارِ، وَأَنَّ عِلْمَ الْبَاطِنِ الَّذِي كَانُوا يَدَّعُونَ حَقِيقَتَهُ هُوَ إبْطَالُ الرِّسَالَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّدًا؛ بَلْ إبْطَالُ جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ؛ وَأَنَّهُمْ لَا يُقِرُّوهُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَنْ اللَّهِ، وَلَا مِنْ خَبَرِهِ، وَلَا مِنْ أَمْرِهِ؛ وَأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا مُؤَكَّدًا فِي إبْطَالِ دَعْوَتِهِ وَإِفْسَادِ مِلَّتِهِ، وَقَتْلِ خَاصَّتِهِ وَاتِّبَاعِ عَثْرَتِهِ. وَأَنَّهُمْ فِي مُعَادَاةِ الْإِسْلَامِ؛ بَلْ وَسَائِرِ الْمِلَلِ: أَعْظَمُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُقِرُّونَ بِأَصْلِ الْجُمَلِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُلُ: كَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَالرُّسُلِ؛ وَالشَّرَائِعِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَكِنْ يُكَذِّبُونَ بَعْضَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [النساء: ١٥٠] {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: ١٥١] .

وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْقَرَامِطَةُ فَإِنَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ كَافِرُونَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، يُخْفُونَ ذَلِكَ وَيَكْتُمُونَهُ عَنْ غَيْرِ مَنْ يَثِقُونَ بِهِ؛ لَا يُظْهِرُونَهُ، كَمَا يُظْهِرُ أَهْلُ الْكِتَابِ دِينَهُمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>