للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِصْرَ لَمَّا اسْتَنْجَدُوهُ عَلَى الْإِفْرِنْجِ، وَتَكَرَّرَ دُخُولُ الْعَسْكَرِ إلَيْهَا مَعَ صَلَاحِ الدِّينِ الَّذِي فَتَحَ مِصْرَ؛ فَأَزَالَ عَنْهَا دَعْوَةَ الْعُبَيْدِيِّينَ مِنْ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَأَظْهَرَ فِيهَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى سَكَنَهَا مِنْ حِينَئِذٍ مَنْ أَظْهَرَ بِهَا دِينَ الْإِسْلَامِ.

وَكَانَ فِي أَثْنَاءِ دَوْلَتِهِمْ يَخَافُ السَّاكِنُ بِمِصْرَ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، كَمَا حَكَى ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الْحَبَّالُ صَاحِبُ عَبْدِ الْغَنِيّ بْنِ سَعِيدٍ، وَامْتَنَعَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ خَوْفًا أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَكَانُوا يُنَادُونَ بَيْنَ الْقَصْرَيْنِ: مَنْ لَعَنَ وَسَبَّ، فَلَهُ دِينَارٌ وَإِرْدَبٌّ.

وَكَانَ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ عِدَّةُ مَقَاصِيرَ يُلْعَنُ فِيهَا الصَّحَابَةُ؛ بَلْ يُقْطِعُهُمْ فِيهَا بِالْكُفْرِ الصَّرِيحِ، وَكَانَ لَهُمْ مَدْرَسَةٌ بِقُرْبِ " الْمَشْهَدِ " الَّذِي بَنَوْهُ وَنَسَبُوهُ إلَى الْحُسَيْنِ وَلَيْسَ، فِيهِ الْحُسَيْنُ، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ: بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَكَانُوا لَا يُدَرِّسُونَ فِي مَدْرَسَتِهِمْ عُلُومَ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ الْمَنْطِقَ، وَالطَّبِيعَةَ، وَالْإِلَهِيَّ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ. وَبَنَوْا أَرْصَادًا عَلَى الْجِبَالِ وَغَيْرِ الْجِبَالِ، يَرْصُدُونَ فِيهَا الْكَوَاكِبَ، يَعْبُدُونَهَا، وَيُسَبِّحُونَهَا، وَيَسْتَنْزِلُونَ رُوحَانِيَّاتِهَا الَّتِي هِيَ شَيَاطِينُ تَتَنَزَّلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْكُفَّارِ، كَشَيَاطِينِ الْأَصْنَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

" وَالْمُعِزُّ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَعْدٍ " أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ الْقَاهِرَةَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَصَنَّفَ كَلَامًا مَعْرُوفًا عِنْدَ أَتْبَاعِهِ؛ وَلَيْسَ هَذَا " الْمُعِزُّ بْنُ بَادِيسَ " فَإِنَّ ذَاكَ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ مُلُوكِ الْمَغْرِبِ؛ وَهَذَا بَعْدَ ذَاكَ بِمُدَّةٍ. وَلِأَجْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الزَّنْدَقَةِ وَالْبِدْعَةِ بَقِيَتْ الْبِلَادُ الْمِصْرِيَّةُ مُدَّةَ دَوْلَتِهِمْ نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ قَدْ انْطَفَأَ نُورُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، حَتَّى قَالَتْ فِيهَا الْعُلَمَاءُ: إنَّهَا كَانَتْ دَارَ رِدَّةٍ وَنِفَاقٍ، كَدَارِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. وَالْقَرَامِطَةِ " الْخَارِجِينَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ الَّذِينَ كَانُوا سَلَفًا لِهَؤُلَاءِ الْقَرَامِطَةِ ذَهَبُوا مِنْ الْعِرَاقِ إلَى الْمَغْرِبِ، ثُمَّ جَاءُوا مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى مِصْرَ؛ فَإِنَّ كُفْرَ هَؤُلَاءِ وَرِدَّتَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، وَهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا وَرِدَّةً مِنْ كُفْرِ أَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْكَذَّابِينَ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَقُولُوا فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالشَّرَائِعِ مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ.

وَلِهَذَا يُمَيَّزُ بَيْنَ قُبُورِهِمْ وَقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا يُمَيَّزُ بَيْنَ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فَإِنَّ قُبُورَهُمْ مُوَجَّهَةٌ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ.

وَإِذَا أَصَابَ الْخَيْلُ أَرْصَدَهُ أَتَوْا بِهَا إلَى قُبُورِهِمْ، كَمَا يَأْتُونَ بِهَا إلَى قُبُورِ الْكُفَّارِ، وَهَذِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِلْخَيْلِ إذَا أَصَابَ الْخَيْلَ مَغَلٌ ذَهَبُوا بِهَا إلَى قُبُورِ النَّصَارَى بِدِمَشْقَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>