للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْبِيَاءَ لَهُمْ بَوَاطِنُ وَأَسْرَارٌ تُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ أُمَّتُهُمْ، وَكَانُوا قَوْمًا أَذْكِيَاءَ فُضَلَاءَ قَالُوا بِأَغْرَاضِهِمْ الدُّنْيَوِيَّةِ بِمَا وَضَعُوهُ مِنْ النَّوَامِيسِ الشَّرْعِيَّةِ، ثُمَّ قَدَحُوا فِي الْمَسِيحِ وَنَسَبُوهُ إلَى يُوسُفَ النَّجَّارِ، وَجَعَلُوهُ ضَعِيفَ الرَّأْيِ حَيْثُ تَمَكَّنَ عَدُوُّهُ مِنْهُ حَتَّى صَلَبَهُ فَيُوَافِقُونَ الْيَهُودَ فِي الْقَدْحِ مِنْ الْمَسِيحِ؛ لَكِنْ هُمْ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِ. فَإِنَّهُمْ يَقْدَحُونَ فِي الْأَنْبِيَاءِ. وَأَمَّا مُوسَى وَمُحَمَّدٌ فَيُعَظِّمُونَ أَمْرَهُمَا، لِتَمَكُّنِهِمَا وَقَهْرِ عَدُوِّهِمَا؛ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمَا أَظْهَرَا مَا أَظْهَرَا مِنْ الْكِتَابِ لِذَبِّ الْعَامَّةِ، وَأَنَّ لِذَلِكَ أَسْرَارًا بَاطِنَةً مَنْ عَرَفَهَا صَارَ مِنْ الْكُمَّلِ الْبَالِغِينَ.

وَيَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ أَحَلَّ كُلَّ مَا نَشْتَهِيهِ مِنْ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِكُلِّ طَرِيقٍ؛ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْعَامَّةِ: مِنْ صَلَاةٍ، وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ إذْ الْبَالِغُ عِنْدَهُمْ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ؛ وَلَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ. وَفِي " إثْبَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ " الْمُبْدِعِ لِلْعَالَمِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَئِمَّتِهِمْ تُنْكِرُهُ وَتَزْعُمُ أَنَّ الْمَشَّائِينَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ فِي نِزَاعٍ إلَّا فِي وَاجِبِ الْوُجُودِ؛ وَيَسْتَهِينُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَاسْمِهِ حَتَّى يَكْتُبَ أَحَدُهُمْ اسْمَ اللَّهِ وَاسْمَ رَسُولِهِ فِي أَسْفَلِهِ؛ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِمْ كَثِيرٌ.

وَذَوُو الدَّعْوَةِ الَّتِي كَانَتْ مَشْهُورَةً؛ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة الَّذِينَ كَانُوا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِقِلَاعِ الْأَلْمُوتِ وَغَيْرِهَا فِي بِلَادِ خُرَاسَانَ؛ وَبِأَرْضِ الْيَمَنِ وَجِبَالِ الشَّامِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ: كَانُوا عَلَى مَذْهَبِ الْعُبَيْدِيِّينَ الْمَسْئُولِ عَنْهُمْ؛ وَابْنُ الصَّبَّاحِ الَّذِي كَانَ رَأْسُ الْإِسْمَاعِيلِيَّة؛ وَكَانَ الْغَزَالِيُّ يُنَاظِرُ أَصْحَابَهُ لَمَّا كَانَ قَدِمَ إلَى مِصْرَ فِي دَوْلَةِ الْمُسْتَنْصِرِ، وَكَانَ أَطْوَلُهُمْ مُدَّةً؛ وَتَلَقَّى عَنْهُ أَسْرَارَهُمْ.

وَفِي دَوْلَةِ الْمُسْتَنْصِرِ كَانَتْ فِتْنَةُ الْبَسَاسِرِيِّ فِي الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ لَمَّا جَاهَدَ الْبَسَاسِرِيَّ خَارِجًا عَنْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ، وَاتَّفَقَ مَعَ الْمُسْتَنْصِرِ الْعُبَيْدِيِّ وَذَهَبَ يَحْشُرُ إلَى الْعِرَاقِ، وَأَظْهَرُوا فِي بِلَادِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ شِعَارَ الرَّافِضَةِ كَمَا كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوهَا بِأَرْضِ مِصْرَ، وَقَتَلُوا طَوَائِفَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَشُيُوخِهِمْ كَمَا كَانَ سَلَفُهُمْ قَتَلُوا قَبْلَ ذَلِكَ بِالْمَغْرِبِ طَوَائِفَ، وَأَذَّنُوا عَلَى الْمَنَابِرِ: " حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ " حَتَّى جَاءَ التُّرْكُ السَّلَاجِقَةُ " الَّذِينَ كَانُوا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ إلَى مِصْرَ، وَكَانَ مِنْ أَوَاخِرِهِمْ " الشَّهِيدُ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ " الَّذِي فَتَحَ أَكْثَرَ الشَّامِ، وَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِي النَّصَارَى؛ ثُمَّ بَعَثَ عَسْكَرَهُ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>