بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ وَحَقْنِ دَمِهِ فَاعْتَرَفَ بِأَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْهُ جَاهِلًا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَتَابَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ سَأَلَ الْحَاكِمَ الْمَذْكُورَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِإِسْلَامِهِ وَحَقْنِ دَمِهِ وَتَوْبَتِهِ وَبَقَاءِ مَالِهِ عَلَيْهِ، فَأَجَابَهُ إلَى سُؤَالِهِ، وَحَكَمَ بِإِسْلَامِهِ، وَحَقْنِ دَمِهِ، وَبَقَاءِ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَزَّرَهُ تَعْزِيرَ مِثْلِهِ وَحَكَمَ بِسُقُوطِ تَعْزِيرٍ ثَانٍ عَنْهُ، وَقَضَى بِمُوجِبِ ذَلِكَ كُلِّهِ. ثُمَّ نَفَّذَ ذَلِكَ حَاكِمٌ آخَرُ حَنَفِيٌّ: فَهَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ، أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَفْتَقِرُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ إلَى حُضُورِ خَصْمٍ مِنْ جِهَةِ بَيْتِ الْمَالِ؛ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَحِلُّ لِحَاكِمٍ آخَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالتَّنْفِيذِ الْمَذْكُورَيْنِ أَنْ يَحْكُمَ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَتَنْفِيذِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ ثِيَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَلَى مَنْعِ مَنْ يَتَعَرَّضُ إلَيْهِ بِأَخْذِ مَالِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ بِمَا ذُكِرَ، أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. نَعَمْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ تَنْفِيذُهُ وَلَيْسَ لِبَيْتِ الْمَالِ فِي مَالِ مِثْلِ هَذَا حَقٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَا يَفْتَقِرُ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَعِصْمَةِ مَالِهِ إلَى حُضُورِ خَصْمٍ مِنْ جِهَةِ بَيْتِ الْمَالِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ؛ إذْ الْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ عُصِمَ بِإِسْلَامِهِ دَمُهُ وَمَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ حَاكِمٌ؛ وَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّ بَيْتِ الْمَالِ فِي مَالِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ رِدَّتِهِ؛ بَلْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَيْضًا فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ وَتَشَهَّدَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُعْتَبَرَتَيْنِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ عَدْلٌ؟ فَإِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَفْتَقِرُ الْحُكْمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ إلَى إقْرَارِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ: وَلَا يَحْتَاجُ عِصْمَةَ دَمٍ مِثْلُ هَذَا إلَى أَنْ يُقِرَّ ثُمَّ يُسْلِمَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ فِيهِ إلْزَامٌ لَهُ بِالْكَذِبِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ كَفَرَ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى عَلَى مِثْلِ هَذَا الْإِقْرَارِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لُقِّنَ الْإِقْرَارَ، وَأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ خَوْفَ الْقَتْلِ. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ كُفْرُ سَبٍّ فَلَيْسَ فِي الْحُكَّامِ بِمَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَنْ يَحْكُمُ بِأَنَّ مَالَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ إسْلَامِهِ؛ إنَّمَا يَحْكُمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute