مَنْ يَحْكُمُ بِقَتْلِهِ لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمَنْ قَالَ: يُقْتَلُ لِزَنْدَقَتِهِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِمِثْلِ هَذَا الْإِقْرَارِ.
وَأَيْضًا فَمَالُ الزِّنْدِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا إذَا مَاتُوا وَرِثَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَعَ الْجَزْمِ بِنِفَاقِهِمْ؛ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَمْثَالِهِ مِمَّنْ وَرِثَهُمْ وَرَثَتُهُمْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ بِنِفَاقِهِمْ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرَ مِيرَاثِ مُنَافِقٍ. وَالْمُنَافِقُ هُوَ الزِّنْدِيقُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ.
وَأَيْضًا فَحُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا نُفِّذَ فِي دَمِهِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ فِيهِ نِزَاعٌ نُفِّذَ فِي مَالِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ إذْ لَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَقُولُ: يُؤْخَذُ مَالُهُ وَلَا يُبَاحُ دَمُهُ، فَلَوْ قِيلَ بِهَذَا كَانَ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ؛ فَإِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْحُكْمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ عَلَى دَعْوَى مِنْ جِهَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَمَالُهُ أَوْلَى.
وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ بِمَالٍ مِثْلِ هَذَا لِبَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُمْكِنٍ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا يُبِيحُ دَمَهُ: لَا بِبَيِّنَةٍ. وَلَا بِإِقْرَارٍ مُتَعَيِّنٍ؛ وَلَكِنْ بِإِقْرَارٍ قَصَدَ بِهِ عِصْمَةَ مَالِهِ وَدَمِهِ مِنْ جِنْسِ الدَّعْوَى عَلَى الْخَصْمِ الْمُسَخِّرِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ بِعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ وَاجِبٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ؛ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حُكْمَ مُجْتَهِدٍ فِيهِ لَزَالَ ذَلِكَ بِتَنْفِيذِ الْمُنَفِّذِ لَهُ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحُكَّامِ مِنْ الْحُكْمِ بِمَالِ هَذَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ ثُمَّ الْإِسْلَامُ؛ وَلَوْ كَانَ الْكُفْرُ سَبَبًا؛ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ؟ ، أَمْ كَيْفَ إذَا حُكِمَ بِعِصْمَةِ مَالِهِ؟ ، بَلْ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ مِنْ أَبْعَدِ الْمَذَاهِبِ عَنْ الْحُكْمِ بِمَالِ مِثْلِ هَذَا لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِقْرَارَ عِنْدَهُمْ قَرَارُ تَلْجِئَةٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ وَلِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا فِي السَّابِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute