الْمُسْلِمِينَ، وَكَمَا لَوْ أَكْرَهَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ مَعْصُومٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ حِفْظُ نَفْسِهِ بِقَتْلِ ذَلِكَ الْمَعْصُومِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ فَيَقْتُلَهُ، لِئَلَّا يُقْتَلَ هُوَ، بَلْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ جَمِيعًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: كَأَحْمَدَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَفِي الْآخَرِ: يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ كَقَوْلِ: أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمُبَاشِرِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ، وَأَبُو يُوسُفَ: يُوجِبُ الضَّمَانَ بِالدِّيَةِ بَدَلَ الْقَوَدِ وَلَمْ يُوجِبْهُ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَّةَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ وَفِيهَا أَنَّ الْغُلَامَ أَمَرَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ ظُهُورِ الدِّينِ، وَلِهَذَا جَوَّزَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ أَنْ يَنْغَمِسَ الْمُسْلِمُ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ
مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَفْعَلُ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْجِهَادِ مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ نَفْسَهُ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ لِغَيْرِهِ كَانَ مَا يُفْضِي إلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الدِّينِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ وَدَفْعِ ضَرَرِ الْعَدُوِّ الْمُفْسِدِ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا، الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِذَلِكَ أَوْلَى وَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى أَنَّ الصَّائِلَ الْمُسْلِمَ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ صَوْلُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ قِيرَاطًا مِنْ دِينَارٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ حَرَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
فَكَيْفَ بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الَّذِينَ صَوْلُهُمْ وَبَغْيُهُمْ أَقَلُّ مَا فِيهِمْ، فَإِنَّ قِتَالَ الْمُعْتَدِينَ الصَّائِلِينَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهَؤُلَاءِ مُعْتَدُونَ صَائِلُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَحُرَمِهِمْ، وَدِينِهِمْ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ يُبِيحُ قِتَالَ الصَّائِلِ عَلَيْهَا، وَمَنْ قُتِلَ دُونَهَا فَهُوَ شَهِيدٌ، فَكَيْفَ بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كُلَّهَا وَهُمْ مِنْ شَرِّ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ الظَّالِمِينَ، لَكِنْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute