تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ الْمُتَأَوِّلُونَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً قَبِيحًا وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ خَرَجُوا بِهِ.
وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِمَامَ يُرَاسَلُهُمْ، فَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً بَيَّنَهَا، وَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَزَالَهَا، فَأَيُّ شُبْهَةٍ لِهَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ السَّاعِينَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَالْخَارِجِينَ عَنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ أَنَّهُمْ أَقْوَمُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ عِلْمًا وَعَمَلًا مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ بَلْ هُوَ مَعَ دَعْوَاهُمْ الْإِسْلَامَ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ أَعْلَمُهُمْ بِإِسْلَامٍ مِنْهُمْ، وَأَتْبَعُ لَهُ مِنْهُمْ، وَكُلُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُنْذِرُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ، فَامْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ شُبْهَةٌ بَيِّنَةٌ يَسْتَحِلُّونَ بِهَا قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ وَهُمْ قَدْ سَبَوْا غَالِبَ حَرِيمِ الرَّعِيَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوهُمْ؟ حَتَّى إنَّ النَّاسَ قَدْ رَأَوْهُمْ يُعَظِّمُونَ الْبُقْعَةَ وَيَأْخُذُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَمْوَالِ، وَيُعَظِّمُونَ الرَّجُلَ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ، وَيَسْلُبُونَهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ، وَيَسْبُونَ حَرِيمَهُ وَيُعَاقِبُونَهُ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي لَا يُعَاقَبُ بِهَا إلَّا أَظْلَمُ النَّاسِ وَأَفْجَرُهُمْ، وَالْمُتَأَوِّلُ تَأْوِيلًا دِينِيًّا لَا يُعَاقِبُ إلَّا مَنْ يَرَاهُ عَاصِيًا لِلدِّينِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مَنْ يُعَاقِبُونَهُ فِي الدِّينِ، وَيَقُولُونَ: إنَّهُ أَطْوَعُ لِلَّهِ مِنْهُمْ، فَأَيُّ تَأْوِيلٍ بَقِيَ لَهُمْ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ لَمْ يَكُنْ تَأْوِيلُهُمْ سَائِغًا، بَلْ تَأْوِيلُ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ أَوْجَهُ مِنْ تَأْوِيلِهِمْ، أَمَّا الْخَوَارِجُ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ مِنْ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ.
وَأَمَّا مَانِعُوا الزَّكَاةِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وَهَذَا خِطَابٌ لِنَبِيِّهِ فَقَطْ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَدْفَعَهَا لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُونُوا يَدْفَعُونَهَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا يُخْرِجُونَهَا لَهُ، وَالْخَوَارِجُ لَهُمْ عِلْمٌ وَعِبَادَةٌ وَلِلْعُلَمَاءِ مَعَهُمْ مُنَاظَرَاتٌ كَمُنَاظَرَتِهِمْ مَعَ الرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يُنَاظَرُونَ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ، وَقَدْ خَاطَبَنِي بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: مَلِكُنَا مِلِكٌ ابْنُ مَلِكٍ ابْنُ مَلِكٍ إلَى سَبْعَةِ أَجْدَادٍ، وَمَلِكُكُمْ ابْنُ مَوْلًى فَقُلْت: لَهُ: آبَاءُ ذَلِكَ الْمَلِكِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ، وَلَا فَخْرَ بِالْكَافِرِ، بَلْ الْمَمْلُوكُ الْمُسْلِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَلِكِ الْكَافِرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: ٢٢١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute