للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهَا، وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ وَلَمْ تَكُنْ الْمُخَابَرَةُ عِنْدَهُمْ إلَّا ذَلِكَ، بَيَّنَ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا لَا نَرَى بِالْخِبْرَةِ بَأْسًا حَتَّى كَانَ عَامُ أَوَّلٍ، فَزَعَمَ رَافِعٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ فَتَرَكْنَاهُ مِنْ أَجَلِهِ.

فَأَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَافِعًا رَوَى النَّهْيَ عَنْ الْخِبْرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى حَدِيثِ رَافِعٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخِبْرَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمُخَابَرَةُ، وَالْمُزَارَعَةُ بِالنِّصْفِ، أَوْ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَأَقَلُّ وَأَكْثَرُ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدٍ يَقُولُ لِهَذَا سُمِّيَ الْأَكَّارُ خَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ يُخَابِرُ الْأَرْضَ، الْمُخَابَرَةُ هِيَ الْمُؤَاكَرَةُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُ هَذَا مِنْ خَيْبَرَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقَرَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى النِّصْفِ، فَقِيلَ خَابَرَهُمْ أَيْ عَامَلَهُمْ فِي خَيْبَرَ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّ مُعَامَلَتَهُ بِخَيْبَرَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا قَطُّ بَلْ فَعَلَهَا الصَّحَابَةُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا رَوَى حَدِيثَ الْمُخَابَرَةِ رَافِعٌ، وَجَابِرٌ، وَقَدْ فَسَّرَا مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَالْخَبِيرُ هُوَ الْفَلَّاحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَخْبُرُ الْأَرْضَ.

وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ، فَقَالُوا: الْمُخَابَرَةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، وَالْمُزَارَعَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، قَالُوا: وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ لَا الْمُزَارَعَةِ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ، كَمَا نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ، وَكَمَا نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عَامَّةٌ لِمَوْضِعِ نَهْيِهِ وَغَيْرِ مَوْضِعِ نَهْيِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ لِأَجْلِ التَّخْصِيصِ الْعُرْفِيِّ لَفْظًا وَفِعْلًا، وَلِأَجْلِ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ وَهِيَ لَامُ الْعَهْدِ، وَسُؤَالِ السَّائِلِ وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُخَابَرَةَ هِيَ الْمُزَارَعَةُ وَالِاشْتِقَاقُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

. فَصْلٌ

وَاَلَّذِينَ جَوَّزُوا الْمُزَارَعَةَ، مِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، وَقَالُوا: هَذِهِ هِيَ الْمُزَارَعَةُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، حَيْثُ يُجَوِّزُونَ الْمُزَارَعَةَ.

وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ قِيَاسُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَبِذَلِكَ احْتَجَّ أَحْمَدُ أَيْضًا، قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>